وعن الثاني: أن ﴿يُذْكَرُ فِيهَا اِسْمُ اللهِ كَثِيراً﴾ عائدا إلى المساجد لأنها الأقرب دون غيرها، سلمنا رجوعه إلى الجميع لكنه [محمول على] بيع المؤمنين من النصارى قبل الإسلام مثل بحيرا الراهب وأشباهه ممن قبل وصية المسيح في الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم بالنية.
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (٤٦) [الحج: ٤٦] أي بخلق الصوارف عن النظر والاعتبار.
﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٥٢) [الحج: ٥٢] فيه مسائل:
الأولى: الفرق بين الرسول والنبي وإلا لم يكن لعطف أحدهما على الآخر معنى، وليس عطف خاص على عام بل بالعكس، ثم قيل: الفرق بينهما أن الرسول من له شريعة وكتاب، وقيل: هو من يوحي إليه يقظة بخلاف النبي فيهما.
الثانية: جواز النسخ، وقد سبق، ولقائل أن يقول: المنسوخ هنا ما يلقيه الشيطان فلا يدل على نسخ كلام الرحمن.
الثالثة: جواز فتنة بعض الناس واستدراجهم إلى الضلال بتقدير الأسباب الموجبة لذلك لأنه-عز وجل-علل إلقاء الشيطان في أمنية النبي، ونسخ ذلك بفتنة الذين في قلوبهم مرض، وهو كقوله-عز وجل-: ﴿وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ (٥٣) / [١٤٢ ب/م] [الأنعام: ٥٣] كما ذكر في الأنعام.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ﴾ (٦٦) [الحج: ٦٦] فيه إثبات البعث ونظائره عديدة.
﴿وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ (٦٨) [الحج: ٦٨] لم يؤمر هاهنا بمجادلتهم لعنادهم وشغبهم، وكذلك ينبغي ترك جدال كل مشاغب ما لم يلزم من تركه مفسدة.