اشتملت غالبا على معصية كالرياء ونحوه من المفسدات، وهذا كمن اشترى دراهم أو سلعة مغشوشة وجب له ردها على صاحبها لا من حيث هي فضة بل من حيث هي مغشوشة، فينبغي للإنسان أن يتوب بهذا الاعتبار من جميع أفعاله احتياطا، ولا يعول/ [٣٠٧/ل] منها على شيء، ولا يلقى الله-عز وجل-إلا فقيرا إلى رحمته غير ملتفت إلى غيرها، أما توبته من المعاصي فلقبحها، وأما من الطاعات فلعدم القطع بسلامتها لغلبة المفسدات الخفية والظاهرة عليها، ولا يلتفت إلى إنكار الظاهريين لهذا فإنه مقام نظري لم يصلوا إليه.
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٣٣) [النور: ٣٣] هذا عطف واجب على مندوب؛ إذ الكتابة ندب والإيتاء فيها واجب.
﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٣٣) [النور: ٣٣] يحتج به من لم ير المفهوم حجة؛ لأن مفهوم هذا: إن لم يردن تحصنا فأكرهوهن على البغاء وليس الحكم كذلك.
وأجيب بأن هذا المفهوم لا يتصور، فبطلانه لعدم تصوره، لا لأن المفهوم ليس حجة، وبيانه أن الإكراه إنما يكون على خلاف الإرادة والاختيار، فالأمة إذا أرادت التحصن صح إكراهها على الزنا، أما إذا لم ترد التحصن وأرادت الزنا فلا يصح إكراهها عليه؛ لأن الإكراه/ [١٤٥ ب/م] حينئذ على وفق مرادها، فهو تحصيل الحاصل، وهذا كما إذا امتنع الإنسان من دخول الدار صح أن يدفع في قفاه أو يلبب ويجر ليدخلها، أما إذا دخلها مختارا فلا يصح ذلك منه وكان تحصيل الحاصل.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ (٣٩) [النور: ٣٩] فيه أن الكفر لا يزكو معه عمل ولا تنفع معه حسنة، وأخذ بقياس عكسه قوم، فقالوا: الإيمان لا تضر معه سيئة فأرجأوا العمل وأبطلوا الوعيد عن العصاة وهم المرجئة، وليس كذلك.