الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ (٨١) [يس: ٨١] تضمن الدليل الثالث على البعث، وقد سبق، وتقريره:
أن خلق السماوات والأرض أعظم من إعادتهم يعني منكري البعث، والقادر على الأعظم هو على الأيسر أقدر، أو يقال: إعادتهم أهون من خلق السماوات والأرض، فهو قادر عليها بطريق أولى، ودليل ذلك النص النظر، أما النص فقوله-عز وجل-: ﴿لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (٥٧) [غافر: ٥٧] وأما النظر فلأن الإنسان عالم صغير والسماوات والأرض هما العالم الأكبر، أعظم من الأصغر، كما أن الأصغر أيسر من الأكبر، ومن أتقن علم الهيئة والطب بحيث يقف على عجائب أشكال الأفلاك ودوائرها، وبدائع عجائبها وأجناس ما في السماوات والأرض وأنواعها وأصنافها وأشخاصها علم أن في ذلك من الحكمة وبديع الصنعة أضعاف ما في بدن الإنسان من الحكمة التي عرفت بالتشريح.
ثم إنه-عز وجل-لما قرر أدلة البعث، ذكر مستندها جملة وهو عموم القدرة على جميع الممكنات فقال: ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (٨٢) [يس: ٨٢] أي، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إلى غيره من الآلات/ [٣٤٩ ل] والعلاجات.
وربما قال قائل: إنما دل هذا الدليل على أنه قادر على أن يخلق مثل الناس، وهو ابتداء خلق والنزاع في الإعادة لا في ابتداء الخلق، فيقال: لعله نبه بهذا على أنه على الإعادة أقدر، إذ قد تقرر في سورة الروم وغيرها أن الإعادة أهون من الابتداء، أو يكون مراده بيخلق مثلهم يعيدهم مثل ما كانوا، والأمر قريب، والله-عز وجل-أعلم بالصواب.
...