﴿وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ (٣٠) [الإنسان: ٣٠].
﴿وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (٢١) [فصلت: ٢١] قد سبق في آخر يس الإشارة إلى كيفية إنطاق الجوارح، وقد أحاله هاهنا على مجرد القدرة والحكمة.
﴿وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (٢١) [فصلت: ٢١] عام أريد به الخاص، وهو الأعيان بخلاف الأعراض، فإنها لا يتصور منها النطق/ [١٧٨ أ/م] فلعله أشار إلى كيفية إنطاقها بأنه خلق النطق في الناطق، وذلك يستوي فيه جميع الأعيان من جارحة وغيرها، ونظمه هكذا: الجارحة عين، وكل عين يمكن أن يخلق فيها النطق فتنطق، فالجارحة يمكن أن يخلق فيها النطق فتنطق.
﴿قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (٢١) [فصلت: ٢١] إن كان هذا من قول الجوارح يوم القيامة-عطفا على: ﴿وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (٢١) [فصلت: ٢١] فهو توجيه ثان لإنطاقها، وتقريره: أن إنطاق الجوارح أيسر من خلقها أول مرة، فالقدرة عليه أولى، وإن كان ابتداء كلام من الله-عز وجل-فهو مع ما بعده دليل على الإعادة بقياس الابتداء، أي: أنه يبعثكم كما خلقكم أول مرة، ثم ترجعون إليه، [وأما على رأي الاتحادية فهو الناطق منها؛ لأنه سار بذاته فيها.]
﴿* وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ﴾ (٢٥) [فصلت: ٢٥] يحتج به الجمهور على أن الله-عز وجل-يضل خلقه بتقدير الأسباب، فإن تقييض القرناء، وهم الشياطين، للتزيين كان مع خلق فيهم من الأكساب الظاهرة، وفى قلوبهم من الدواعي والصوارف، كان علة تامة لضلالهم، وكون القول حق عليهم، وكل ذلك منه لا شيء لهم فيه إلا حركات اكتسابية مقارنة لاختيارات جبرية.