أما الاقتراني فهكذا: إحياء الموتى كإحياء الأرض، وإحياء الأرض ممكن مقدور، فإحياء الموتى ممكن مقدور. أما الأولى فلأن الأرض تكون يابسة قد غلب عليها اليبس والغبار، وهي هامدة خاشعة، أي: متواطئة، فينزل عليها ماء المطر، فيتخلل أعماقها فتربو وترتفع، وتنبت الحب الذي فيها، فإذا هي تهتز خضراء، وكذلك الموتى غلب عليهم اليبس الذي هو طبيعة الأرض؛ فيجمعها الله-عز وجل-ثم يمطر عليها ماء قدرته، إما حسا كما قيل: إن السماء تمطر أربعين يوما ماء كمني الرجال، أو عقلا كما يشاء الله-عز وجل- فيعود إلى العظام ما كان لها حال الحياة من رطوبة وغيرها، ثم تعاد إليها الأرواح، ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ (٦٨) [الزمر: ٦٨] وأما الثانية فمشاهدة؛ إذ الأرض تكون مواتا فتحيا.
وأما الاستثنائي فهكذا: إن كان إحياء الأرض بعد موتها ممكنا، فإحياء الموتى ممكن، والمقدم حق؛ فالتالي مثله، والتقرير ما سبق إنه على كل شيء قدير، إشارة إلى الجامع في القياس، وهو المقدورية وتمام القدرة، أي: أن المصحح لإحياء الأرض المقدورية والإمكان، وهو وإحياء الموتى في ذلك سيان.
﴿لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (٤٢) [فصلت: ٤٢] أي: لم يتضمن كذبا في إخباره بما كان ولا إخباره بما سيكون، والمراد لا يلحقه الباطل ولا الإبطال بجهة من الجهات، لا بمناقضة، ولا معارضة، ولا تنكيت، ولا تبكيت، ولا شيء من جنس ذلك.
وربما احتج بهذا من منع النسخ في القرآن كأبي مسلم الأصفهاني؛ لأن النسخ إبطال للنص، وهو باطل منفي عن الكتاب بالنص، ويجاب بمنع أن النسخ إبطال/ [٣٧١ ل]، ثم بمنع أن هذا الإبطال باطل، بل هو حق من حق ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾ (٣٩) [الرعد: ٣٩]، وقد سبق القول في مسألة النسخ.