﴿وَمَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى﴾ (٢٠) [النجم: ٢٠] «تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهم لترتجى»، فقالت قريش: قد قاربنا محمد وأحسن القول في آلهتنا، فلما بلغ آخر السورة سجد وسجدوا معه مقاربة له، فلما نسخ ما ألقاه/ [١٩٤ أ/م] الشيطان، وعادوا إلى المباعدة والعداوة، وقد اختلف الناس في هذا، فمنهم من قدح في صحته ولم يثبته، إذ لم يرد من طريق وثيق، ومنهم من أثبته ثم اختلفوا في تأويله، وأقرب ما قيل فيه: إن الشيطان تكلم بتلك الكلمات والنبي صلّى الله عليه وسلّم يتلو فاشتبه [صوته بصوته]، فظنوا أنه صلّى الله عليه وسلّم قاله، فقاربوه معتقدين لذلك، فلما نازعهم وأنكر أنه قاله عادوا إلى المباعدة، وليست جرأة الشيطان في هذا بأضعف من جرأته عليه حين عرض له في الصلاة بشعلة نار ليقطع عليه صلاته، والجميع بإذن الله-عز وجل-وإرادته وقضائه وقدره.
﴿لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ (٥٣) [الحج: ٥٣] كما سبق.
﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ (٢٢) [النجم: ٢٢] أي: جائرة، والعدل إذا لم يكن بد أن تؤثروه بالبنين أو تساووه.
﴿إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى﴾ (٢٣) [النجم: ٢٣] احتج به من منع بخبر الواحد والقياس؛ لأنهما إنما يفيدان الظن، واتباعه مذموم/ [٤٠٢/ل].
وأجيب بأن ذلك في العقائد العلمية كالتوحيد ونحوه لا مطلقا، وقد سبق الدليل على اعتبار خبر الواحد والقياس.
﴿إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى﴾ (٢٣) [النجم: ٢٣] احتج به من أنكر الاستحسان في الشرع؛ لأنه اتباع الهوى بغير مستند، والصحيح اعتباره والفائز به أهل العراق من أصحاب أبي حنيفة، وقد قرروه أحسن تقرير، ولا نسلم أنه اتباع الهوى، بل هو استماع القول واتباع أحسنه، وحاصل الاستحسان أنه العمل بأقوى الدليلين أثرا أو نحو ذلك على ما قرره البزدوي وغيره، ولا جرم أنه لما كان كذلك استعمله منكروه، فتراهم كثيرا ما يقولون: يجوز استحسانا لا قياسا، والاستحسان كذا، وأشباه ذلك، فإذن الاستحسان كما قيل في المثل: «الشعير يؤكل ويذم» وكذا الاستحسان يستعمل ثم ينكر.