فلم تنتج وهو ظاهر، وإن عنيتم أن كل اعتبار مأمور به لم نسلم هذه الكلية؛ لأن قوله-عز وجل- ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾ (٢) [الحشر: ٢] ليس بعام، بل هو مطلق لا عموم له، فلا يقتضي عموم الأمر بالاعتبار، إنما يقتضي الأمر باعتبار ما، وذلك لا يلزم منه الأمر بالقياس.
الثالث: أن سياق الآية لا يقتضي إثبات القياس؛ إذ قوله-عز وجل-: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾ (٢) [الحشر: ٢] لا يناسب: فقيسوا السمسم على البر في منع التفاضل في البيع، وإذ لم يكن الكلام منتظما لم يجز نسبته إلى القرآن.
الرابع: لو دلت هذه الآية على القياس/ [٤١٧/ل]، [٢٠١ ب/م] لدل قوله-عز وجل-: ﴿قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ﴾ (١٣) [آل عمران: ١٣] عليه وما في معناه، وهو بعيد لتوغله في العموم، فلا يدل على القياس إلا على بعد.
الخامس: ما ذكرتموه من الدليل لو دل لكان عندنا ما يعارضه، وهو أن القياس إنما يفيد الظن، والظن لا يجوز اتباعه في أحكام الله-عز وجل-ولأنا مأمورون عند التنازع والاختلاف بالرجوع إلى الله-عز وجل-ورسوله، والقياس ليس كذلك، وقد سبقت هذه المعارضة وجوابها.
واعلم أن القياس في الفروع دليل قوي جيد، غير أن هذه الآية لا تدل عليه إلا دلالة ضعيفة من وراء وراء.