﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ (١٣) [الحشر: ١٣]، تدل على أن من خاف غير الله-عز وجل-فليس بفقيه بل هو جاهل؛ لأن الخوف إنما يكون من شر أو ضرر يلحق والله-عز وجل-هو خالق كل شيء، شر وخير ونفع وضرّ، لا يكون شيء من ذلك إلا بإذنه، فمن خاف معه غيره فتوحيده مدخول، وإنما يطرأ ذلك على الإنسان لنقص في توحيده أو غلبة من طبعه عليه.
﴿لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ﴾ (٢٠) [الحشر: ٢٠] ذهب قوم إلى أن هذا يقتضي عموم نفي المساواة بين الفريقين من كل وجه، حتى أدرجه تحته أن الذمي لا يكافئ المسلم ليقتل به. وذهب آخرون إلى أنه لا يقتضي العموم، وقد انتفت المساواة بينهما في أحكام كثيرة، ولا دليل على عدم التساوي بين المسلم والذمي في القصاص حتى تندرج تحت نفي التسوية المستفاد من الآية، فيقتل المسلم بالذمي لثبوت المكافأة بينهما بدليل منفصل، وهو ما سبق في البقرة.
حاصل الأمر أن نفي التسوية في هذه الآية عام، فيتناول نفي التسوية بينهما في القصاص، أو مطلق فلا يتناول، والظاهر أنه عام؛ لأن قولنا: لا يستوي فلان وفلان، معناه: لا استواء بينهما؛ إذ الفعل يدل على المصدر، وهو الاستواء، فهو نكرة في سياق نفي فتعم، والخصم يقول: إن قولنا: لا يستوي فلان وفلان-أعم من أن يكون من كل جهة، أو من جهة خاصة، بدليل قبوله للاستفسار والتقسيم/ [٢٠٣ أ/م] بأن يقال: هل هما لا يستويان مطلقا أو من بعض الجهات، وان يقال: إذا كانا لا يستويان فلا يخلو إما ألا يستويا من كل جهة أو من بعض الجهات دون بعض؟ ولو اقتضى عموم نفي المساواة بينهما لما قيل ذلك.
وقد رجع/ [٤٢٠/ل] الخلاف إلى أن صيغة لا يستويان هل تقتضي عموم نفي التسوية أو نفي عموم التسوية، والفرق واضح بين عموم السلب وسلب العموم، فعموم سلب الحقيقة يمنع ثبوت شيء من أفرادها، وسلب عموم الحقيقة لا يمنع ثبوت بعض أفرادها، وقد ظهر ذلك في قوله:
قد أصبحت أم الخيار تدعي … عليّ ذنبا كله لم أصنع
برفع كله على عموم السلب وبنصبه على سلب العموم، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث ذي اليدين: «كل ذلك لم يكن» (١) برفع كل لا غير على عموم السلب؛ لأنه أراد نفي