[الملك: ١١] / [٢٠٦ أ/م] ولو كان خالقا لأفعالهم أو جابرا لهم لما كان لهم ذنب.
وجوابه: بل الذنب لهم باعتبار كسبهم أو خلقهم على تقدير التفويض إليهم.
﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (١٤) [الملك: ١٤] فيه تقديران: أحدهما:
أن «من» فاعل أي ألا يعلم الخالق مخلوقه.
والثاني: أنها مفعول أي: [ألا يعلم هو من خلق، أي: ] ألا يعلم هو مخلوقه، فالفاعل مضمر على هذا، والمفعول محذوف على الأول.
ويحتج به على أمور:
أحدها: أن خلق الشيء يستلزم العلم به، أي: أن العلم من لوازم الخلق؛ لأن معنى الآية، إن سركم وجهركم مخلوق لي فكيف لا أعلمه، وهو يفيد ما قلنا، ولأن خلق الشيء يستلزم القصد إليه، والقصد إليه يستلزم العلم به وبغايته.
فإن قيل: هذا ينتقض بالنحل والعنكبوت والنمل ونحوها يفعل أفعالا محكمة، ولا قصد لها فلا علم لها.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن الكلام في الخلق الاختراعي، وهذه الأشياء لا خلق لها، بل أفعالها وغيرها مخلوقة لله-عز وجل.
الثاني: أنها تقصد إلى فعلها وتعلم غايته بإلهام من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ونعلم قطعا أن النحل لولا علمها بمنفعة بيتها وأنه يصلح لسكناها إياه لما بنته.
الأمر الثاني: أنه-عز وجل-عالم بكليات الأشياء كالأجناس والأنواع والأصناف بالإجماع، أما علمه بالجزئيات كالأعيان الشخصية فأثبته المتكلمون، [ونفاه الفلاسفة].
[احتج المتكلمون] بأن الجزئيات مخلوقة له-عز وجل-وكل مخلوق معلوم، أما الأولى فبالإجماع على أن لا خالق غير الله-عز وجل-وأما الثانية فلما مر من أن العلم بالشيء من لوازم خلقه؛ ولأن المخلوق عالم بالجزئيات، فلو لم يكن الخالق عالما بها لكان المخلوق أكمل منه، وإنه محال.
احتج به الفلاسفة بأنه-عز وجل-لو علم الجزئيات للزم وقوع التغير في ذاته، واللازم باطل فالملزوم كذلك؛ بيان الملازمة أن العلم حصول صورة المعلوم في ذات العالم، والجزئيات تتغير وتنتقل أحوالها، فلو علمها لحصل في ذاته بحسب كل حال من أحوال الجزء صورة غير صورته بحسب الحال الأخرى، وذلك يقتضي تغاير صور الجزئيات على