كذب» خشية أن يطمع طامع بهذه الآية فيغض من منصب يونس، فحسم النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه المادة.
وقيل: إنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه خير من يونس وغيره. وقيل: قال ذلك في مقام التواضع، والإنسان له مقامان مقام تواضع يهضم فيه حق نفسه كهذا المقام، ومقام افتخار يستوفي حق نفسه أو بعضه فيه، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» (١) وعلى نحو هذا تأولت الشيعة [لعنهم الله] قول علي-رضي الله عنه-: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت سميت الثالث» وقوله لابن الحنفية في نحو هذا: ما أبوك إلا رجل من المسلمين.
﴿لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ (٤٩) [القلم: ٤٩] قد علم أن لولا تقتضي امتناع الشيء لوجود غيره، والذي امتنع هاهنا لوجود النعمة هو نبذه بالعراء مذموما لا مجرد نبذه بالعراء وهو الصحراء، لأنه قد وجد بدليل: ﴿*فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ (١٤٥) [الصافات: ١٤٥] فدل على أنه نبذ بالعراء مجردا عن صفة الذم، بدليل: ﴿فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ (٥٠) [القلم: ٥٠] ومن يكون مجتبي صالحا لا يكون مذموما، وسقط بهذا [التعلق عن] يونس عليه الصلاة والسّلام.
...