قوله: واتصال شعاع البصر بالمرئي.
قلنا: الناس لهم في كيفية رؤية المرئيات أربعة أقوال:
أحدها: اتصال الشعاع.
والثاني: انطباع صورة المرئي في الرطوبة الجليدية كانطباع الوجه في المرآة.
والثالث: أنه نار تخرج من البصر فيدرك به المرئي، وهذا شبيه بالقول بالشعاع.
والرابع: أنه علم يخلقه الله-عز وجل-في نفس الرائي مقارنا للرؤية، وهو مذهب المتكلمين.
فنقول أولا: لم قلت: إن رؤية الباري-عز وجل-أو الرؤية مطلقا باتصال الشعاع؟ وما أنكرت أن يكون بخلق العلم في نفسه كما هو رأي المتكلمين.
وثانيا: أنه قد ثبت لنا رؤية لا باتصال شعاع وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تختلفوا عليّ-يعني في الصلاة-فإني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي» (١) وما ذاك إلا لخارق إلهي ومعجز نبوي أيد به النبي صلّى الله عليه وسلّم كما كان يرى الثريا اثني عشر كوكبا وغيره إنما يراها ستة أو سبعة، وذلك لقوة خص بها في بصره خرقا للعادة، فجاز إذ كان الآخرة محل خرق العادة أن تتجدد للمؤمنين خرق عادة يرون بها ربهم من غير انطباع ولا اتصال شعاع، ولا جهة أصلا على رأي نفاة الجهة، كالدودة في وسط البلورة تراها لا في جهة، وكرة العالم يراها الله-عز وجل-وقد قام البرهان على أنها ليست في جهة على ما قيل، وحينئذ لا يلزم مثبتي الرؤية لا رأي المجسمة ولا رأي الاتحادية.
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ (٣٦) [القيامة: ٣٦] أي هملا لا راعي له، ولا معترض عليه ولا بعث ولا معاد، وهذا إنكار لنفي البعث فيقتضي إثبات البعث، وهذا شبيه بقوله-عز وجل: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ (١١٥) [المؤمنون: ١١٥].
﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى﴾ (٣٧) [القيامة: ٣٧] [٢١٢ ب/م] إلى: ﴿أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى﴾ (٤٠) [القيامة: ٤٠] هذا احتجاج على إمكان البعث ووقوعه بالقياس على النشأة الأولى كما سبق في أول «الحج» وغيره.
...