لما وصلوا إلى شيء منه، وهم أعني الأبرار قد اعترفوا بذلك حيث قالوا: ﴿وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (٤٣) [الأعراف: ٤٣] اللهم اهدنا إليك وإلى رضوانك بفضلك المحض، ولا تكلنا إلى سواك من نفل أو فرض.
﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ (٢٤) [الإنسان: ٢٤] قيل: معناه ولا كفورا، والمعنى وإن كان عليه إلا أنه ضعيف من جهة أن «أو» تنوب عن واو العطف وحرف النفي، ونيابة كلمة عن كلمتين غير معهود، أو هو قليل لا يقاس عليه لمخالفته القياس وتخريجه/ [٤٣٩/ل] على أصله بوجهين:
أحدهما: أن يكون هذا طبق كلام مقدر، كأنه قيل له: أطع فلانا الآثم، أو فلانا الكفور، فقيل: لا تطع منهما آثما أو كفورا.
الثاني: أن يقال: إنما دلت هذه الآية على تخييره في معصية أحدهما، أي اعص هذا أو هذا، ودل على وجوب معصيتهما جميعا دليل منفصل لا يقال: نحن نفهم من مجرد هذه الآية وجوب معصيتهما جميعا من غير شعور بدليل منفصل؛ لأنا نقول: إما من موضوع لفظ بمجرده فلا نسلم أنه يفهم ذلك، وإلا لما استغرب واحتيج فيه إلى تخريج وتأويل، وأما فهم ذلك من المعنى عقلا أو عرفا أو شرعا فذلك هو الدليل المنفصل ولكنه ظاهر، فلظهوره لا ينتبه له.
﴿إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اِتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ (٢٩) [الإنسان: ٢٩] احتج بها المعتزلة؛ لأنها تقتضي أن الإنسان مخير بحسب مشيئته، وأجاب الجمهور بالآية بعدها:
﴿وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ (٣٠) [الإنسان: ٣٠] فمشيئة الإنسان تابعة للمشيئة الإلهية وأثر من آثار القدرة الأزلية، وحينئذ أكثر ما يقال:
إن فعل الإنسان أثر مشيئته أثر القدرة الإلهية، وأثر أثر الشيء لذلك الشيء، ففعل الإنسان أثر القدرة الأزلية وهو المطلوب، وقد سبق تقرير هذا في مقدمة الكتاب.