وأيّاً ما كان الأمر فإن السياق في الآيتين المذكورتين يختلف عنه في آية (ص) وإن كان منه بسبب إذ المناسب للبدء بالعشيّ قبل الإشراق، هو ما كان عليه داود - عليه السلام - من أوب إلى الله وترجيع، وقد كان يشاركه في ذلك الجبال والطير كما دل عليه قوله تعالى: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب.. ص/١٧)، وقوله: (يا جبال أوبي معه والطير.. سبأ/١٠)، وقوله: (والطير محشورة كل له أواب.. ص/١٩)، وظهور كل ذلك في وقت العشيّ أبين في تذكر المصير وما سيؤول إليه حال الخلق.
يقول صاحب نظم الدرر "لما كان - أي التسبيح- في سياق الأوبة، وكان آخر النهار وقت الرجوع لكل ذي إلف إلى مألفه مع أنه وقت للفتور والاستراحة من المتاعب قال (بالعشيّ) "، وكان من ثمّ البدء به "تقوية للعامل وتذكيراً للغافل" (١).
وإنما كان تقديم العشيّ - فيما هو قريب مما ذكرناه من أمر الإبكار والإشراق - أعني الإظهار في قوله جل وعلا: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون... الروم/١٧)، لنفس ما سبق ذكره في آية غافر حيث الكلام عن القيامة وإثبات الحشر والبعث حتى ليكاد يكون متطابقاً معه تمام التطابق، ومن ثم فملابساتها هي من ملابسات نظيرتها.