وفي البحر المحيط: "قوبل بالعشيّ الإمساء وبالإظهار الإصباح، لأن كلا منهما يُعقب بما قابله، فالعشيّ يعقبه الإمساء، والإصباح يعقبه الإظهار" (١)، وفي معنى ما ذُكريقول الآلوسي "قدم الإمساء على الإصباح لتقدم الليل والظلمة، وقدم العشيّ على الإظهار لأنه بالنسبة إلى الإظهار كالإمساء بالنسبة إلى الإصباح" (٢) ويعنيان بذلك أنهم في "الاستعمال العربي يعتبرون فيه الليالي مبدأ عدد الأيام (٣)، فهو أسبق في حساب أيام الشهر، وفي التنزيل قال تعالى: (سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين.. سبأ/١٨) " (٤)، وقال أبو السعود بأن تقديم (عشياً) على (حين تظهرون) لمراعاة الفواصل وتغيير الأسلوب (٥)، وليس ما ذكروه بالوجه بل هو - فيما أرى- على ما ذكرت، مراعاة لمكان النزول. وإن كنت لا أرى فيما ذكره الفخر الرازي – وفاء بحق السياق - بأساً، وفي محصلته يقول الطاهر في عبارة بليغة موجزة: "قدم فعل الإمساء على فعل الإصباح.. لأن الكلام لما وقع عقب ذكر الحشر من قوله: (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون.. الروم/١١)، وذكر قيام الساعة، ناسب أن يكون الإمساء وهو آخر اليوم خاطراً في الذهن فقُدم لهم ذكره" (٦).
وهكذا يجيىء النظم غاية في التناسق بين مفرداته والتآخي بين جملة، كما يجيئ التقديم والتأخير للأوقات محققاً الغرض الذي يهدف إليه سياق النص القرآني، وتلك - وأيم الله- آية من آيات الإعجاز في كتاب الله.
(٢) الآلوسي ٢١/٤٥ مجلد ١٢، وينظر حاشية الشهاب على البيضاوي ٧/٣٧٩.
(٣) كما كانوا يؤرخون بالليالي ويبتدئون الشهر بالليلة الأولى التي بعد طلوع الهلال، وهو ما أقرهم الإسلام عليه واستمر عليه الحال.
(٤) التحرير ٢١/٦٦ مجلد ١٠، ٢٦/٣٢٧ مجلد ١٢.
(٥) تفسير أبي السعود ٧/٥٥ مجلد٤.
(٦) التحرير ٢١/٦٦ مجلد ١٠.