ولا يستقيم لنا مع هذا، ما ذكره ابن عاشور من أن التسبيح في هذه الأوقات "سلك به مسلك الإطناب لأنه مناسب لمقام الثناء" (١) لأن هذا التعليل ناشىء عن القول بحمل التسبيح على ظاهره، والآثار ترده... كما لا صحة لما اختاره الرازى وتابعه فيه - بقوة وبحماس زائدين- الآلوسي، من حمل التسبيح في الآية الكريمة على ظاهره من معنى التنزيه، زاعمَين أنه "أقوى والمصير إليه أولى، لأنه يتضمن الأول" (٢) يعنى معنى الصلاة.. أما أولاً: فلما ذكرت، وأما ثانياً: فلأن عكس ما قالاه هو الصحيح، لكون الصلاة مشتملة عليه وعلى غيره. وإذا كان الوجه فيما اختاراه وتعصبا له تنزيهه سبحانه عن صفات النقص ووصفُُه بصفات الكمال، بالأمر المطلق الذي لا يختص بنوع دون نوع فيكون الأمر به أمر بالصلاة (٣)، فإن فيما تركاه يتناول التنزيه بالقلب وهو الاعتقاد الجازم، وباللسان مع ذلك وهو الذكر الحسن، وبالأركان معهما وهو العمل الصالح الذى يأتي على قمته التلبس بالصلاة عمود الدين ورأسه في الإسلام، وتلك - وأيم الله - هى ثمرة التنزيه وذروته، لكونها ثمرة الثاني وهما معاً ثمرة الأول... ذلك أن الإنسان إذا اعتقد شيئاً ظهر من قلبه على لسانه، وإذا قال ظهر صدقه في مقاله، وإذا عمل ظهرت حجته في أحواله وأفعاله، فاللسان ترجمان الجنان، والأركان برهان اللسان. وعليه فتنزيهه سبحانه بالصلاة من قِبل العبد برهان على تنزيهه من قِبله لسواها، وهي لاشتمالها على الذكر باللسان والقصد بالجنان والعمل بالأركان -لا جرم- كانت أفضل الأعمال، فهي في التحقيق تنزيه له سبحانه بما هو أعم وأشمل.

(١) التحرير والتنوير ٢١/٦٥ مجلد ١٠.
(٢) الرازي ١٢/٤٤٧ والآلوسي ٢/٤٤ مجلد ١٢.
(٣) ينظر السابقين.


الصفحة التالية
Icon