كما يرد عليه الآية الكريمة: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال... الرعد/١٥)، إذ وقوع الآصال الذي يفيده، في مقابلة ما يقابله غالباً وهو (الغدو)، يشير إلى تعيين المراد من العشي، ويوجب أن يكون المراد به ما قبل غروب الشمس لان ظلال الأشياء لا تحدث - كما هو متعالم لدى الخاصة والعامة- إلا فيما بين طلوع الشمس وغروبها.. ويردعليه كذلك قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل.. هود/١١٤) لأن "الإقامة: وهي إيقاع العمل على ما يستحقه، تقتضي أن يكون المراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة، فالطّرفان ظرفان لإقامة الصلاة المفروضة، فعلم أن المأمور إيقاع صلاة في أول النهار وهي الصبح، وصلاة في آخره وهي العصر، ويكون ذلك هو المراد من الغداة والعشي الذي كثر ورودهما في آي التنزيل وفي السنة المطهرة.. والزلف جمع زلفة، وهي الساعة القريبة من أختها، وهذا أيضاً يُعلم منه أن المأمور به، إيقاع الصلاة في طائفة من الليل الذي يبدأ من صلاة المغرب وهي - بالطبع- غير الصلاة التي في طرفي النهار.." (١)، وفي بصائر ذوي التمييز: "قوله: (وأقم الصلاة طرفي النهار) أي الغداة والعشي" (٢)، وفيه: "قوله تعالى: (طرفي النهار) أي الفجر والعصر" (٣)، رُوي ذلك عن الحسن وقتادة والضحاك ونص عليه الزمخشري والبيضاوي (٤) واستظهره أبو حيان بناء على أن طرف الشيئ يقتضي أن يكون من الشيئ، والتزم أن أول النهار من الفجر" (٥). وعليه فقد "وجب - على حد قول الرازي- حمل الطرف الثاني على صلاة العصر" (٦)، فيكون المراد

(١) التحرير ١٢/١٧٩ من المجلد ٦ بتصرف.
(٢) البصائر ٣/٥٠٣ وينظر الكشاف ٢/٢٩٦.
(٣) البصائر ٣/٥٠٣.
(٤) ينظر الكشاف ٤/٢٠٠ وتفسير البيضاوي بحاشية الشهاب٦/٢٥٦والآلوسي ١٢/٢٣٤ مجلد ٧.
(٥) ومن جعله من طلوع الشمس، عدّ الصبح كالمغرب طرف مجازي، وجعْله حقيقة فيهما، هو من زخرف القول لما ذكرنا من أدلة.
(٦) مفاتيح الغيب ٨/٦٣١.


الصفحة التالية
Icon