رابعًا: الشيخ في رأي النقاد:
إن رضا الناس غاية لا تدرك، وكلما عظم صيت الإنسان وازدادت شهرته كثرت آراء الناس فيه، ولقد كان شيخنا من هذا القبيل، وإذا كان بعض الناس تختلف فيهم الآراء بعد رحيلهم عن الدنيا، فإن الأستاذ أدرك اختلاف الناس فيه في حياته، وسأعرض هنا لآراء خصومه ومؤيديه في حياته وبعد وفاته.
أما في حياته فلقد كان للشيخ آراؤه في الإصلاح والسياسة ومن هنا تعددت الجهات التي تخاصمه، وتناصبه العداء من أنجل آرائه. وأهم هذه الجهات:
١ - علماء الأزهر:
لقد وضع الشيخ برنامجًا إصلاحيًا للأزهر إدارة وتدريسًا، ولكن هذا سبب نقمة كثيرين عليه، وخاصة بعد إصداره لبعض الفتاوى، وأهمها فتوى جواز التعاون مع الكفار، وجواز استثمار الأموال في صناديق التوفير، وجواز لبس البرنيطة. ولقد كانت خصومة الأزهر عنيفة على الشيخ. ذلك لأن وضع الأزهر في ذلك الوقت، كان يمكنه من ذلك العنف وتلك الشدة. على أن بعض ما رمى به الشيخ في ذلك الوقت، كان من قبيل الافتراء والدسائس، يروي الأستاذ الطناحي في تقديمه لكتاب دروس من القرآن الكريم، حديثًا حدث به الأستاذ إبراهيم الهلباوي رحمه الله، وكان من زملاء الإمام في الدراسة: (لعلك تعجب إذا قلت لك: إنني كنت من أعدى أعداء الشيخ محمد عبده وإنني تسببت مرة للشيخ محمد عبده في (علقة حامية) من الطلاب. وذلك أن السيد جمال الدين الأفغاني حضر إلى مصر في نحو سنة ١٨٧١ م، وكانت سنه لا تزيد على الثانية والثلاثين، وأخذ يلقي دروسًا في العلوم الدينية والأدبية والفلسفية، بروح جديدة وأسلوب جديد، لم يعهده الأزهر وطلابه، فكان طبيعيًا أن ينقم عليه شيوخ الأزهر، وأتباعهم من الطلاب المنافقين. وكنت وقتئذ في السابعة عشرة من عمري، ومن أشد الطلاب كرهًا لجمال الدين وتلاميذه، وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده، حتى وصل بي طيش الصبا والشباب