التي نزل فيها الحكم يعين على فهمه، ولا بد في التفسير من الذوق السليم، وما يتبعه من لطف الوجدان ودقة الشعور، اللذين هما مدار المعقل والتأثر والفهم والتدين. ومقتضى هذا أن ينفذ المفسر إلى روح القرآن). وبالإضافة إلى هذا، فقد دفع الأستاذ الإمام شبهات المستشرقين إلى الوراء حيث كانت ردوده العملية عبر هذا المنهج على تُهَمِهِم الجوفاء، من كون القرآن لا ترابط بين سوره ولا التئام بين آياته.
٢ - يسر العبارة وسهولة الأسلوب:
فهو يقدم المادة للقارئ والمستمع، بعيدة عن التقعر في الألفاظ، بعيدة كذلك عن الجفاف في المعاني بحيث يتقبلها القلب والعقل. فلنستمع إلى الشيخ عند تفسيره لسورة البروج، فبعد أن عرف البروج وتكلم عن اليوم الموعود وشاهد ومشهود قال: (أقسم سبحانه أولًا، بما فيه غيب وشهود وهو السماء ذات البروج. فإن كواكبها مشهود نورها مرئي ضوءها. معروفة حركاتها في طلوعها ومغيبها تحبس الضر. والسماء ما علاك مما نسميه بهذا الاسم وفيه البروج تشاهدها، ولكن فيها غيب لا تعرفه بالحس، وهو حقيقة الكواكب وما أودع الله فيها من القوى، وما أسكنها من الملك أو غيره. كل ذلك غيب لا تدركه حواسنا، وإن وصل إلى الاعتقاد بشيء منه عقلنا. ثم أقسم جل شأنه بما هو غيب صِرف، وهو اليوم الموعود. لأنه أخبرنا بأنه سيكون، وعما يكون فيه من حوادث البعث والحساب والعقاب والثواب، ولكن شيئًا من ذلك لا يمكن أن نشهده في حياتنا هذه.
وبعد ذلك أقسم بما هو شهادة صِرفة، وهو الشاهد أي صاحب الحس فإنه مرئي. والمشهود هو ما وقع عليه الحس. فكأنه جل شأنه، أقسم بالعوالم كلها، مع هذا التقسيم البديع، ليلفتك إلى ما فيها من العظم والفخامة، لتعتبر بما حضرك، وتبذل الوسع في درك ما استتر عنك، وتستعد لما يستقبلك) (١).

(١) تفسير جزء عم ص ٥٨ - ٥٩.


الصفحة التالية
Icon