والأمر إذن جدٌّ... إنه أمر العقيدة من أساسها... ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها... إن هذه البشرية -وهي من صنع الله- لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده -سبحانه- وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق وشفاء كل دواء ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الاسراء: ٨٢] ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الاسراء: ٩].
ولقد كانت تنحية الإسلام عن قيادة البشرية حدثًا هائلًا في تاريخها، ونكبة قاصمة في حياتها، نكبة لم تعرف لها البشرية نظيرًا في كل ما ألم بها من نكبات...
إن هناك عصابة من المضللين المخادعين أعداء البشرية، يضعون لها المنهج الإلهي في كفة، والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى ثم يقولون لها اختاري! !.
وهناك آخرون لا ينقصهم حسن النية ولكن ينقصهم الوعي الشامل والإدراك العميق... إن شريعة الله للناس هي طرف من قانونه الكلي في الكون فإنفاذُ هذه الشريعة لا بد أن يكون له أثر إيجابي في التنسيق بين سيرة الناس وسيرة الكون... والشريعة إن هي إلا ثمرة الإيمان لا تقوم وحدها بغير أصلها الكبير، فهي موضوعةٌ لتنفذ في مجتمع مسلم... هذه بعض الخواطر والانطباعات من فترة الحياة في ظلال القرآن لعل الله ينفع بها ويهدي ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ (١).
هذا قبس من تلك المقدمة لتفسير الظلال، ومنه ندرك أن الرجل رحمه الله كانت

(١) مقدمة الظلال بتصرف.
وندرك من هذا كله ومما سبق غيرة علمائنا وأدبائنا -رحمهم الله وجزاهم خيرًا على هذه الأمة، فقد ظهر لنا أن الإمام محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، إمامي المدرسة العقلية، كان حرصهما شديدًا على إيقاظ هذه الأمة، كذلك عرفنا ورأينا ما كان للشيخ طنطاوي جوهري -رحمه الله- من صرخات مشكورة في إيقاظ هذه الأمة، وها هو صاحب الظلال -رحمه الله- فيما يكتب، بل قدم حياته ثمنا لهذه الصرخة وتلك الآمال، رحم الله المفسرين وجزاهم عن كتابه وعن المسلمين خيرًا.


الصفحة التالية
Icon