الفلكية، وكل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها... فهذه كلها ليست حقائق علمية بالقياس الإنساني، وإنما هي فروض ونظريات، كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر مقدار من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية... إلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرًا أكبر من الظواهر أو يفسر تلك الظواهر تفسيرًا أدق) (١).
وبعد هذا يبين الأستاذ سيد أن مثل هذا العمل ليس صحيحًا من الناحية المنهجية، ثم يحاول أن يستجلي الأسباب التي دفعت مثل هؤلاء إلى محاولات التوفيق هذه ويركز فيما يركز على الناحية النفسيَّة التي يعانيها هؤلاء في داخلهم وبخاصة أمام هذا الواقع الذي بهر الكثيرين وهزم فيه الكثيرون، وهذا المعنى النفسي يكرره صاحب الظلال كأنما يريد بذلك أن يقتلع هذا التأثير لحضارة الغرب والتأثر بهذا الواقع والانهزام الذي يقاسيه ويعاني منه الكثيرون، أن يقتلع ذلك كله من جذوره وهو محق في ذلك، فنحن نرى في مجتمعنا الكثيرين من طيبي القلوب وحَسَني النيات يدأب أحدهم على البحث لإيجاد الصلة الوثيقة بين القرآن وبين تلك الحضارة، وهذا إنما يرجع للشعور بالنقص والضعف والتخلف ومن الصعب أن نتخلص من تلك الأخطاء المتراكمة ما لم نتخلص من تلك المشاعر، يقول صاحب الظلال: (وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة -أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا تحتوي أولًا على خطأ منهجي أساسي كما أنها تنطوي على معانٍ ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن الكريم...
الأولى: هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن، والقرآن تابع ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم، على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه ونهائي في حقائقه، والعلم ما يزال في موضوعه ينقضُ اليوم ما أثبته بالأمس وكل ما يصل إليه

(١) (١/ ١٨٠ - ١٨٢) بتصرف.


الصفحة التالية
Icon