وحسبنا هذا الاستطراد بهذه المناسبة فقد أردنا به إيضاح المهج الصحيح في الانتفاع بالكشوف العلمية في توسيع مدلول الآيات القرآنية وتعميقها دون تعليقها بنظرية خاصة أو بحقيقة علمية خاصة تعليقَ تطابقٍ وتصديقٍ... وفرق بين هذا وذاك) (١)، ومن هنا يظهر لنا جليًّا الموقف المعتدل (٢) الذي يقفه سيد قطب رحمه الله من التفسير العلمي، وقد سبق أن ذكرنا لك طرفًا من الإشارات العلمية التي سجلها في تفسيره الظلال، فلتراجع عند الحديث عن الاتجاه العلمي في تفسير القرآن الكريم في الجزء الأول "التفسير اتجاهاته وأساسياته".
٣ - المفسر ومبهمات القرآن:
ليس بدعًا ما ذهب إليه صاحب الظلال في آيات الغيب والمبهمات، فهذا ينعكس عن رأيه في الآيات العلمية من ناحية، ومن ناحية ثانية فقد سبقه غيره إلى هذا، إلا أن سيدًا في الآيات الكونية لا مانع من أن يعيش مع ظلالها الممتد الواسع في الكون والإنسان والحياة، أما آيات الغيب ومبهمات القرآن فإن ظلالها في رأي سيد لا ينبغي أن يكون أسطورة أو خرافة، أو إسرائيلية ممجوجة، أو حديثًا موضوعًا، أو كلامًا فيه وعورة المسلك، أو حتمية المزلق، وإنما ينبغي أن تكون ظلال هذه الآيات متفيأً للقلب المؤمن، ظلالًا تنعكس على العقيدة آثارها فيأخذها المسلم أمورًا مسلمة تزيد في مساحة يقينه، فالشجرة التي نُهي آدم وزوجه أن يأكلا
(٢) وأظنك ستعجب بعدما قرأت ما قرأت عن سيد وموقفه من التفسير العلمي -من كلام الدكتور فهد الرومي في كتابه (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر)، إذ يدَّعي أن سيدًا يرفض التفسير العلمي وهو لم يجد في كلام سيد ما ينص على ذلك، ولهذا قال: من يستقري هذه الأسس عند سيد قطب -رحمه الله- يقصد الأسى التي وصف بها منهج سيد -يظهر له أن سيدًا سيرفض التفسير العلمي، ولهذا فقد اعتبرته من الرافضين للتفسير العلمي) (٣/ ١٠٥٠).
ولا أدري كيف يسمح الدكتور فهد لنفسه أن يستنتج هذا الموقف لسيد، وأن يعده لذلك من الرافضين للتفسير العلمي، وقد قدما لك -أيها القارئ الذكي- ما تطمئن إليه نفسك في هذا الأمر.