العقائد الجاهلية لا يدل على أن الناس صاروا إلى التوحيد بناء على تطور في أصل العقيدة، إنما يدل على أن عقيدة التوحيد على يد كل رسول كانت تترك رواسب في الأجيال التالية -حتى بعد انحراف الأجيال عنها- ترقي عقائدهم الجاهلية حتى تصير أقرب إلى أصل التوحيد الرباني، أما عقيدة التوحيد في أصلها فهي أقدم في تاريخ البشرية من العقائد الوثنية جميعًا.
وبعد هذا البيان والإيضاح ينقل صاحب الظلال فقرات من كلام الأستاذ العقاد في كتابه (الله): (ترقى الإنسان في العقائد، كما ترقى في العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الديانات والعبادات، وليست عناصر الحقيقة في واحد منها بأوفر من عناصر الحقيقة في الأخرى..
وقد أسفر علم المقابلة بين الأديان عن كثير من الضلالات والأساطير التي آمن بها الإنسان الأول، ولا تزال لها بقية شائعة بين القبائل البدائية أو بين أمم الحضارة العريقة، ولم يكن من المنظور أن يسفر هذا العلم عن شيء غير ذلك، ولا أن تكون الديانات الأولى على غير ما كانت عليه من الضلالة والجهالة، فهذه هي وحدها النتيجة المعقولة التي لا يترقب العقل نتيجة غيرها، وليس في هذه النتيجة جديد يستغربه العلماء أو يبنون عليه جديدًا في الحكم على جوهر الدين فإن العالم الذي يخطر له أن يبحث في الأديان البدائية ليثبت أن الأولين قد عرفوا الحقيقة الكونية الكاملة منزهة من شوائب السخف والغباء إنما يبحث عن محال.. ).
(يعرف علماء المقابلة بين الأديان ثلاثة أطوار عامة مرت بها الأمم البدائية في اعتقادها الآلهة والأرباب، وهي دور التعدد ودور التمييز والترجيح ودور الوحدانية... ولا تصل الأمة إلى هذه الوحدانية النافعة إلا بعد أطوار من الحضارة تشيع فيها المعرفة ويتعذر فيها على العقل قبول الخرافات التي كانت سائغة في عقول الهمج وقبائل الجاهلية، فيصف الله بما هو أقرب إلى الكمال والقداسة من