مفضية إلى إضاعة شيء من مال الولي، فكأن ماله عين ماله.
ثانيها: أن هؤلاء السفهاء إذا رشدوا وأموالهم محفوظة لهم، وتصرفوا فيها تصرف الراشدين، وأنفقوا منها في الوجوه الشرعية من المصالح العامة والخاصة، فإنه يصيب هؤلاء الأولياء حظ منها.
ثالثها: التكافل في الأمة، واعتبار مصلحة كل فرد من أفرادها عين مصلحة الآخرين كما قلنا في آيات أخرى.
ثم قال في قوله تعالى: ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ في هذه الجملة من الآية تحريض على حفظ المال، وتعريف بقيمته، فلا يجوز للمسلم أن يبذر أمواله. وكان السلف من أشد الناس محافظة على ما في أيديهم، وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الحلال. فأين من هذا ما نسمعه من خطباء مساجدنا من تزهيد الناس وغل أيديهم، وإغرائهم بالكسل والخمول، حتى صار المسلم يعدل عن الكسب الشريف إلى الكسب المرذول من الغش والحيلة والخداع. ذلك أن الإنسان ميال بطبعه إلى الراحة، فعندما يسمع من الخطباء والعلماء والمعروفين بالصلحاء عبارات في التزهيد في الدنيا، فإنه يُرضي بها ميله إلى الراحة، ثم إنه لا بد له من الكسب، فيختار أقله سعيًا وأخفه مؤونة وأبعده عن الشرف. على أن هذا التزهيد في الدنيا من هؤلاء، لم يأت بما يساق لأجله من الترغيب في الآخرة والاستعداد لها، بل إن خطباءنا ووعاظنا قد زهدوا الناس في الدنيا، وقطعوهم عن الآخرة، فخسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وما ذلك إلا لجهلهم وعدم علمهم بما يعظون به غيرهم (١). والواجب على المسلم العارف بالإسلام، أن يبين للناس الجمع بين الدنيا والآخرة. أهـ.