ثانيًا بعنصر آخر يتميز به الإنسان... هو عنصر الاختيار والإرادة، فأكل فرد على حدة يملك أن يختار عقيدته بمجرد أن يبلغ الرشد، وبذلك يقرر نوع المجتمع الذي يريد أن يعيش فيه مختارًا بينما ليس له اختيار في بقية الروابط الأخرى وثالثًا أن إنشاء مجتمع على آصرة العقيدة من شأنه أن يوجد مجتمعًا إنسانيًا عالميًا مفتوحًا بشتى الأجناس والألوان والأقوام واللغات، ويضرب مثلًا لذلك بالمجتمع المسلم الذي صهرت في بوتقته خصائص الأجناس البشرية وتمازجت وأنشأت حضارة ضخمة رائعة تحوي خلاصة الطاقة البشرية مجتمعة.
ثم يأتي بأمثلة للروابط التي قامت عليها المجتمعات قديمًا وحديثًا كالإمبراطورية الرومانية قديمًا، والإنجليزية والشيوعية حديثًا، ويذكر أن هذه التجمعات القائمة على مثل هذه الروابط قد أثمرت أسوأ ما في الكائن الإنساني.
وإذا كان هذا شأن العقيدة في أصالتها وخصائصها وكونها منهجًا ربانيًا، فإن في القرآن الكريم مشاهد عديدة تبين لنا رعاية الله وعنايته لحملة هذه العقيدة مهما كانوا من قلة عدد وهذا ما ينبغي أن نتفياه من ظلال قصص الأنبياء عليهم السلام. من ذلك ما يذكره الأستاذ سيد بعد استعراضه لقصة نوح عليه السلام (١): (ثم نقف الوقفة الأخيرة مع قصة نوح لنرى قيمة الحفنة المسلمة في ميزان الله سبحانه، إن حفنة المسلمين من أتباع نوح عليه السلام تذكر بعض الروايات أنهم اثنا عشر، هم كانوا حصيلة دعوة نوح في ألف سنة إلا خمسين عامًا، كما يقرر المصدر الوحيد المستيقن الصحيح في هذا الشأن...
إن هذه الحفنة -وهي ثمرة ذلك العمر الطويل والجهاد الطويل- قد استحقت أن يغير الله لها المألوف من ظواهر هذا الكون، وأن يجري لها ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء وكل حي في المعمور وقتها من الأرض، وأن يجعل هذه الحفنة