المعركة، ويجاهدون به جهادًا كبيرًا.... إن هؤلاء وحدهم هم الذين يعيشون في مثل الجو الذي تنزل فيه القرآن، ومن ثم يتذوقونه ويدركونه لأنهم يجدون أنفسهم مخاطبين خطابًا مباشرًا به كما خوطبَتْ به الجماعة المسلمة الأولى فتذوقته وأدركته وتحركت به... والحمد لله في الأولى والآخرة.
ولقد آثرت أن أنقل هذا الكلام مع ما فيه من طول، لأنه يلقي ضوءًا على منهج الرجل، وأحاسيسه التي يكتب بها، ونظرته إلى أبعاد النص القرآني وموضوعيته من جهة؛ لأنه يركز عليه في مواضع كثيرة تشغل حيزًا ضخمًا من كتابه من جهة أخرى، وبذلك أكتفي بما نقلته في هذا الموضع عن المواضع الأخرى.
٢ - العقيدة في إطارها الخاص:
المتتبع لما كتبه سيد في ظلال القرآن سواء كان في تفسير الآيات أم في ما يقدمه لسور القرآن، يدرك طبيعة الواقع الذي كان يعيشه هذا الرجل، وطبيعة الفكر الذي كان يحمله، وطبيعة الدين الذي تفاعل معه، وهذا هو الذي يهمنا، إن الاهتمام بشأن العقيدة وما ينبغي أن يحوطها من سياج، وما يدبر لها من مكائد، وما ينبعي أن يكون لها من نتائج، وما هي الصورة التي يجب أن تعرض فيه، وما هو المنهج الذي ينبغي أن يسار عليه لبنائها وترسيخها، كل ذلك نجد له خطوطًا عريضة في ثنايا الظلال مما يجعلنا نوقن بأن غاية الغايات عند الكاتب كانت إبراز هذا المنهج القرآني، وبيان طبيعة الحركية للمسلمين، بيانًا فيه قوة اليقين وسلامة المنطق مع عوامل الدفع القيادية، وسأحاول هنا أن أُلمَّ ببعض نواحي هذا الموضوع موجزًا ما استطعت لعلي بذلك ألقي ضوءًا على الكتاب ومنهج الكاتب.
لقد عالج الأستاذ سيد هذا الموضوع في أمكنة كثيرة من كتابه، فها هو في مقدمة سورة الأنعام يسهب وهو يتحدث عن ذلك فيقول:
(لقد كان هذا القرآن المكي يفسر للإنسان سر وجود هذا الكون من حوله...