هو الجنة... فلما ابتلاهم الله فصبروا، ولما أن فرغت نفوسهم من حظ نفوسهم، ولما أن علم الله أنهم لا يحظرون جزاء في هذه الأرض كائنًا ما كان هذا الجزاء، ولو كان هو انتصار هذه الدعوة على أيديهم، وقيام هذا الدين في الأرض بجهدهم - ولما لم يعد في نفوسهم اعتزاز بجنس ولا قوم ولا اعتزاز بوطن ولا أرض لما أن علم الله منهم كله علم أنهم قد أصبحوا أمناء على هذه الأمانة الكبرى) (١).
لأهمية تلك العقيدة فإن القرآن المكي ظلَّ طوال ثلاث عشرة سنة لا يقرر شيئًا من التشريعات والتنظيمات وإنما كان التركيز على مسائل العقيدة وحدها، يقول الأستاذ سيد:
(إن طبيعة هذا الدين هي التي قضت بهذا... فهو ديِن يقوم كلُّه على قاعدة الألوهية الواحدة... كل تنظيماته وكل تشريعاته تنبثق من هذا الأصل الكبير... وكما أن الشجرة الضخمة الباسقة الوارفة المديدة الظلال المتشابكة الأغصان الضاربة في الهواء... لا بد أن تضرب بجذورها في التربة على أعماق بعيدة وفي مساحات واسعة تناسب خامتها وامتدادها... فكذلك هذا الدين، إن نظامه يتناول الحياة كلها... ولا بد له إذن من جذور عميقة بهذه السعة والخامة والعمق والانتشار أيضًا... هذا جانب من سر هذا الدين وطبيعته يحدد منهجه في بناء
(١) (٧/ ٨٠).