ب- ويتناول فرية الغرانيق فيدحض زيفها ويهدم أركانها. يقول:.. قد يجد الباطل أنصارًا، فيتبوَّأ من نفوسهم دارًا، ويتخذ له منها قرارًا... وهو يلعب بأهله وبغلب أهواءهم بحيَلِهِ حتى يقصروا نظرهم عليه، ولا يجدوا ملجأ منه إلا إليه، فإذا أتوا من ناحيته رضوا، وإذا عرض لهم الحق أعرضوا، ولا يزالون كذلك إلى أن تنحل به عراهم، وتفسد بعلله قواهم والحق لا يزال يعرض نفسه، يستخدم مرة لينه وأخرى باسه. وهو الشاب الذي لا يهرم والعامل الصبور الذي لا يسأم وإنما يعرض بوجهه عن الأغبياء... ثم لا ينفك يرحمهم.. فإذا واتاهم وقد وهت سننهم... صاح بهم صائحٍ، فغلق بالباطل مكانه) (١).
وهي قطعة أدبية نادرة في سياق رد الأباطيل إلى أن يقول: (عصمة الرسل في التبليغ عن الله) أصل من أصول الإسلام، شهد به الكتاب وأيدته السنة، وأجمعت عليه الأمة.. ومع ذلك لم يعدم الباطل في الدين أعوانا، يجملون على هدمه وتوهين ركنه. أولئك عشاق الروايات الباطلة وعبدة النقل. نظروا نظرة في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ... ﴾ [الحج: ٥٢]... إلخ، ثم يسوق الروايات التي استدل بها على قصة الغرانيق.
وملخص هذه الفرية أن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، كان يتلو سورة (النجم) فلما بلغ ﴿وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ٢٠] ألقى الشيطان في قراءته: (وإنها لهي الغرانيق العُلى وإن شفاعتهن لترتجى).
ثم بعد ذلك يظهر زيف هذه الروايات بقوله: (قال القسطلاني في شرح البخاري: وقد طعن في هذه القِصَّة وسندها غير واحد من الأئمة، حتى قال ابن إسحق وقد سئل عنها: هي من وضع الزنادقة، وكفى في إنكار حديث، أن يقول فيه ابن اسحق إنه من وضع الزنادقة.. وقال القاضي عياض إن هذا