(لا يخفى على كل من يفهم اللغة العربية، وقرأ شيئًا من القرآن أن قوله قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ الآيات- يحكي قدرًا قدر للمرسلين كافة، لا يعدونه ولا يقفون دونه، ويصف شنشنة عرفت فيهم وفي اسمهم، فلو صح ما قال أولئك المفسرون، لكان المعنى أن جميع الأنبياء والمرسلين قد سلط الشيطان عليهم فخلط في الوحي المنزل إليهم ولكنه بعد هذا الخلط ينسخ الله كلام الشيطان ويحكم الله آياته الخ.. وهذا من أقبح ما يتصور متصور، في اختصاص الله تعالى لأنبيائه واختيارهم من خاصة أوليائه فلندع هذا الهذيان ولنعد إلى ما نحن بصدده).
وبعد بيان مستفيض عن صلة الآية بما قبلها وما بعدها، وهو بيان يعين كثيرًا على فهم الآية يقول: (فعلى هذا المعنى الذي يتفق مع ما لقيه الأنبياء جميعًا، يجب أن نفسر الآية، وذلك يكون على وجهين:
الأول: أن يكون (تمنى) بمعنى قرأ، (والأمنية) بمعنى القراءة، وهو معنى قد يصح، وقد ورد استعمال اللفظ فيه.. غير أن الإلقاء لا يكون على المعنى الذي ذكروه، بل على المعنى المفهوم من قولك (ألقيت في حديث فلان) إذا أدخلت فيه ما ربما يحمله لفظه، ولا يكون قد أراده، أو نسبت إليه ما لم يقله، تعللًا بأن ذلك الحديث يؤدي إليه. وذلك من عمل المعاجزين الذين ينصبون أنفسهم لمحاربة الحق، يتبعون الشبهة ويسعون وراء الريبة، فالإلقاء بوساوسه، مفسد القلوب بدسائسه، وكل ما يصدر من أهل الضلال، يصح أن ينسب إليه، ويكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي، إلا إذا حدث قومه عن ربه، أو تلا وحيًا أنزل إليه فيه هدى لهم، قام في وجهه مشاغبون، يحولون ما يتلوه عليهم عن المراد منه، ويتقولون عليه ما لم يقله، وينشرون ذلك بين الناس، ليبعدوهم عنه، ويعدلوا بهم عن سبيله، ثم يحق الله الحق ويبطل الباطل. ولا زال الأنبياء يصبرون على ما كذبوا وأوذوا، ويجاهدون في الحق ولا يعتدون بتعجيز المعجزين، ولا بهزء