﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ أي اخشوه أن تخالفوه فيما أمركم به أو نهاكم عنه، ثم نبههم على اتصافه بكمال القدرة الباهرة، لتأييد الأمر بالتقوى، وتأكيد إيجاب الامتثال به، على طريق الترغيب والترهيب، بقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي فرعكم من أصل واحد وهو نفس أبيكم آدم. وخلقه تعالى إياهم على هذا النحو البديع مما يدل على القدرة العظيمة، ومن قدر على نحوه كان قادرًا على كل شيء، ومنه عقابه على معاصيهم، فالنظر فيه يؤدي إلى الإتقاء من موجبات نقمته. وكذا جعله تعالى إياهم صنوانًا مفرعة من أرومة واحدة، من موجبات الاحتراز عن الإخلال بمراعاة ما بينهم من حقوق الأخوة، كما ينبئ عنه ما يأتي من الإرشاد إلى صلة الأرحام ورعاية حال الأيتام، والعدل في النكاح وغير ذلك.
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم عليه أولئك النفر من مضر وهم مجتابو النمار (أي من عريهم وفقرهم) قام فخطب بالناس بعد صلاة الظهر، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء: ١] حتى ختم الآية. ثم قال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨]، ثم حضهم على الصدقة فقال: (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره من صاع تمره). وذكر تمام الحديث (وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة، وفيها: ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾. الآية ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي من نفسها، يعني من جنسها، ليكون بينهما ما يوجب التآلف والنظام قإن الجنسية علّية الضم، وقد أوضح هذا بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١]. ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا﴾ أي نشر تلك النفس وزوجها المخلوقة منها، بطريق التوالد والتناسل ﴿رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ أي كثيرة، وترك التصريح بها للاكتفاء بالوصف المذكور.