شخصيته فكل ما نجده لها من أثر، إنما هو حسن اختيار هذا النقل، ومن الإنصاف أن أقرر هنا إلى جانب أمانته، سعة إطلاعه أولًا، واهتمامه بإيراد المأثور ثانيًا، وتخلصه من وطأة التعصب ثالثًا.
على أن الرجل كان يتدخل أحيانًا ليبدي رأيه في بعض المسائل، كما رأينا ذلك عند تفسيره قوله تعالى: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالكُمْ﴾ [الأنعام: ٣٨] من سورة الأنعام، في تحديد المثلية، حيث ينقل عن المفسرين أقوالًا في معنى المثلية، فمن قائل إن المثلية هنا إنما هي في هيمنة الله ورعايته وتدبيره، ومن قائل إنها في معرفة الله وتسبيحه، وقول ثالث إنها في الحشر بعد الموت، ويقول بعد إيراد هذه الأقوال: (لا شك في صحة الوجهين بذاتهما -يعني الثاني والثالث- وصدق المثلية فيهما، ولكن الحمل عليهما يبعده عدم ملاقاته للآية الأخرى، فالأمَسّ تأييد للنظائر ما ذكرناه أولًا - والله أعلم) (١).
كما نرى ذلك عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢]، حيث يبدي رأيه في الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة، في إحباط الكبائر للأعمال فيقول: (ولا يخفى أن الإنصاف هو الوقوف مع ما أوضحه النص وأبانه، فكل موضع نص فيه على الإحباط، وجب قبوله بدون تأويل، وامتنع القياس عليه؛ لأنه مقام توعد وخسران، ولا مجال للرأي في مثل ذلك هذا ما أعتقده وأراه، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) (٢).
وللرجل بعض اللفتات أحيانًا، فنراه مثلًا عند تفسيره قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [الحديد: ٢٥] يقول (٣):

(١) محاسن التأويل جـ ٦ ص ٢٢٩٨.
(٢) محاسن التأويل جـ ١٥ ص ٥٤٤٢.
(٣) محاسن التأويل جـ ١٦ ص ٥٦٩٣.


الصفحة التالية
Icon