وهي ما علم من الدين بالضرورة، كوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وما أجمع عليه من كيفياتها وفروضها، فإن أدلتها وأعمالها متواترة. وتلقينها مع ما ورد في فوائدها من الآيات والهدي النبوي، يجعل المسلم على بصيرة فيها، وفقه يبحث على العمل ولا أسهل منه.
ومنها فروع دقيقة مستنبطة من أحاديث غير متواترة، لم يطلع عليها جميع المسلمين. وقد مضت سنة السلف الصالح في مثلها، بان من بلغه حديث منها، بطريق يعتقد به ثبوته عمل به. ولم يوجبوا على أحد، ولو منقطعًا لتحصيل العلم، أن يبحث عن جميع ما روي من هذه الآحاد ويعمل بها... فمثل هذه الفروع يعذر العاصي بجهلها بالأولى، ويجب عليه التحري في قبول ما يبلغه منها، فلا يقبل رواية كل أحد، ولا يسلم كل ما في الكتب لكثرة الموضوعات والضعاف فيها.. فتبين مما شرحناه أنه لا عذر لأحد في التقليد المحض) (١). وهذا النص يعد آية ظاهرة في بيان موقف الأستاذ الإمام من التعصب المذهبي والتقليد، وجميع آرائه في هذا الباب تفهم في ضوء هذا النص.
موازنة تستحق التقدير:
ابتلي المسلمون بخلافات جانبية كثيرة، واحتدم بينهم الجدل وقوي النزاع حول مسائل فرعية، وشكليات هي أقرب إلى القشور منها إلى اللباب. والذي يحز في النفس، ويصيب القلب بسهام الألم، أن هذه الخلافات وذلك النزاع، يعيشه المسلمون، وأعداؤهم يتربصون بهم من كل جانب، ويبيتون لهم كل عظيمة سوءًا وغدرًا.
ومن أقوى الأمثلة على هذه الخلافات ما رأيناه بين المتسلفة والمتصوفة من جهة، وبينهم وبين أصحاب المذاهب من جهة أخرى، لقد عشت هذا الخلاف كما عاشه كثيرون غيري في مصر، وليست مصر وحدها. فهذه بلاد الشام وكثير من