على مجمل ما في القرآن، وكل ما فيه تفصيل للأصول التي وضعت فيها) (١).
وهذا كلام -مخالف للروايات الصحيحة، من أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... ﴾ [العلق: ١ - ٥] (٢)، وإذا صحت الرواية فلا ينبغي أن يُعدلَ عنها فإن فيه تحميل الفاتحة ما لا تحمل، وهذا ما يعترض به الأستاذ الإمام كثيرًا على غيره من المفسرين، ولكن الصبغة العقلية قد أخذت من الشيخ مأخذها في تحديد أول ما نزل.
وفي السورة نفسها عند تفسير (المغضوب عليهم والضالين) يقول الأستاذ: (فالمغضوب عليهم، هم الذين خرجوا عن الحق بعد علمهم به، والذين بلغهم شرع الله تعالى ودينه فرفضوه ولم يتقبلوه، انصرافًا عن الدليل ورضا بما ورثوه من القليل ووقوفًا عند التقليد وعكوفًا على هوى غير رشيد، وغضب الله عقوبته وانتقامه... ولا شك أن المغضوب عليهم ضالون أيضًا، لأنهم بنبذهم الحق وراء ظهورهم قد استدبروا الغاية واستقبلوا غير وجهتها، فلا يصلون منها إلى مطلوب، ولا يهتدون فيها إلى مرغوب، ولكن فرق بين من عرف الحق فأعرض عنه على علم، وبين من لم يظهر له الحق، فهو تائه بين الطرق، لا يهتدي إلى الجادة الموصلة منها، وهم من لم تبلغهم الرسالة، أو بلغتهم على وجه لم يتبين لهم فيه الحق، فهؤلاء هم أحق باسم الضالين) (٣).
أقول: إن حديث عدي بن حاتم الذي ورد فيه (أن المغضوب عليهم هم اليهود وأن الضالين هم النصارى) والذي أخرجه الترمذي في جامعه (٢٩٥٣) وأخرجه ابن حبان (٦٢٤٦) و (٧٢٠٦) وأخرجه أحمد (٤/ ٣٧٨ - ٣٧٩) والطبراني (١٧/ ٢٣٧)، والبيهقي في الدلائل (٥/ ٣٣٩ - ٤١ - ٣٤١) وأخرجه الطيالسي (١٠٤٠).
(٢) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) المنار (١/ ٦٨، ٦٩).