المألوف، فليس مقسمًا إلى أبواب وفصول، بل يمزج بين الموضوعات على اختلافها دون عنوان لباب أو علامة لفصل، وهذا يثير خصوم القرآن فيثيرون شكوكًا حوله، لذلك فإن القارئ للقرآن الكريم عليه أن يقرأ بعد أن يحرر عقله من التصورات السابقة، ويعرف أنه يقرأ كتابًا فريدًا وحيدًا من نوعه.
ثم بيّن أن القرآن يحوي دعوة الناس إلى اتباع الصراط المستقيم، وأن موضوعه هو الإنسان، حيث يناقش أنماط حياته التي تقوده إلى النجاح أو إلى دار البوار، وبين أن بحث القرآن الرئيس هو توضيح الحقيقة، وهي بعينها التي أوحاها الله إلى آدم عند تنصيبه خليفة، وأن كل النظريات التي تخالف هذه الحقيقة إنما هي نظريات فاسدة، ومعرفة هذه الأشياء -كما يقول أبو الأعلى- واستحضارها في ذهن القارئ للقرآن تبعده عن نظرة التنافر والانفصام في الأسلوب، أو النقص في ارتباط موضوعات القرآن العديدة، فأي موضوع فيه سيجده مرتبطًا ببحثه الأساس وهدفه.
ثم تحدث عن نزول القرآن على مدى ثلاث وعشرين سنة، وأن لكل مرحلة ما يناسبها من الموضوعات، وأسلوب القرآن فيها يختلف عن أسلوبه في مراحل أخرى، فكان من المُحال أن يحوي تشاكلًا واتساقًا على نحو يناظر ما هو متبوع في كتب الديانات المماثلة له، ومرور الحركة الإسلامية بمراحل مختلفة يفسر لنا تكرار الأشياء مرارًا في القرآن، فأيّ مهمة وحركة يلزم لها بسط ما تتطلبه في مرحلة من مراحلها مع ضرورة التزام الصمت إزاء ما تحتاجه في المرحلة المقبلة، لهذا فإن احتياجات الحركة ما تفتأ تتكرر ما دامت الحركة لم تدخل في مرحلة أخرى سواء استمرت شهورًا أم أعوامًا، وطبيعي أن تكرار هذه الأمور يتخذ ألفاظًا وأساليب متنوعة لتجنب الرتابة، كما أنها تصاغ في لغة جميلة جليلة لتكون ذات تأثير فعال، كما أن القرآن يكرر عقيدته ومبادئه الأساسية في مواضع مناسبة ليحفظ الحركة قوية في كل مرحلة ودور.