تعليله لكثرة الحروف أو قلتها:
ويلاحظ في تفسير السيد دروزة لفواتح السور، أن تعدد هذه الحروف لا يقتضي تأويلًا جديدًا. ويعلل هذا التعدد أحيانًا تعليلًا طريفًا، كاتصاله بطول السور أو بقصد التنبيه إلى خطورة موضوعها. وهذا ما نراه عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿المص﴾ (١) الأعراف. حيث يقول: " (المص) هذه السورة أولى السور التي تعددت حروف مطلعها المنفردة، حيث كانت السور التي قبلها من ذوات الحروف المنفردة، تبدأ بحرف واحد وهي: (ن) و (ق) و (ص) وتعدد الحروف لا يقتضي تأويلًا حديثًا لمثل هذا المطلع، الذي رجحناه أنه لاسترعاء الأسماع والأذهان في سياق سورة القلم. ولعل حكمة هذا التعدد متصلة بطول السورة، حيث هي أول السور الطويلة المكية نزولًا بل أطولها" اهـ. وعند تفسيره لقوله تعالى: (كهيعص) يقول: "بدأت السورة بأحرف خمسة مقطعة، وتعددت الأقوال فيها، ونختار منها قصد الاسترعاء والتنبيه. وقد يكون تعدد الحروف بقصد التنبيه إلى خطورة الموضوع" اهـ.
رد هذا التأويل:
وهكذا لا يخرج الأستاذ دروزة عن أقوال المفسرين في هذه الحروف. ونحن معه في رده على السيد نصوح الطاهر حول دعوى الرمزية الربانية، ولكنا نخالفه فيما ذهب إليه من أن حكمة تعدد الحروف المقطعة، يعود إلى طول السورة أو خطورة موضوعها. فهناك سورة البقرة التي هي أطول سور القرآن، بدأت بثلاثة أحرف (الم)، وهي ليست أقل خطورة في موضوعها من سورة مريم، التي بدأت بخمسة أحرف (كهيعص) وكذلك سورة الرعد بدأت بأربعة أحرف (المر)، وهي أقصر من غيرها من السور التي بدأت بثلاثة أحرف فحسب، فمثلها يونس وهود ويوسف التي بدأت بـ (الر). وهناك سورة غافر التي بدأت بحرفين (حم)، بينما بدأت سورة الشورى التي هي أقصر منها، وموضوعهما يكاد يكون واحدًا، بخمسة أحرف (حم عسق).