وقول البغوي بأن المعتزلة أولت الاستواء بالاستيلاء، وأهل السنّة فسروه بأنه صفة وصف الله بها نفسه، فتؤخذ بالإيمان بلا كيف ولا تشبيه، كما يورد قول السيد رشيد رضا بعدم اشتباه معنى -استواء الرب تعالى على العرش- على أذهان الصحابة، مع علمهم تنزيهه سبحانه عن صفات البشر وغيرهم من الخلق، وأنهم كانوا يفهمون استواء الله تعالى على عرشه، عبارة عن استقامة أمر ملك السموات والأرض له وانفراده هو بتدبيره، ثم تجد بعد كل هذا الأستاذ دروزة يعود إلى القول بأن "هذا من الأمور المغيبة التي أخبر الله تعالى عنها بالعبارة التي اقتضتها حكمة التنزيل، ومن الواجب الإيمان بما جاء في القرآن، مع تنزيه الله عز وجل، عن الحدود والجسمانية والمشابهة، التي يقتضيها تأويل العرش بالمادية والجلوس الجسماني عليه" (١).
رأينا في هذا المنهج:
من خلال العرض، يظهر لنا أن المفسر، لم يستطع إقناع القارئ، أو إطلاعه على الفرق بين مذهب السلف والخلف، فهو سلفي تارة، مؤول تارة فأحيانًا نجده يدعي مجازية الكلمات، وأحيانًا يقول بوجوب الوقوف عند ظاهر النص.
وإن ما يدعو للدهشة والاستغراب أكثر من هذا كله، ذلك التفسير المعوج للمحكم والمتشابه بالأسس والوسائل، وهو التفسير الذي يرتضيه، ولم يجد أحدًا قال به بينما ادعاه فيما تقدم لصاحب المنار.
ونرى في تحديده لمعنى الوجه بأنه الذات، خروجًا على مذهب السلف الذين يقولون "الوجه صفة نثبتها لله تعالى، ولا نسأل عن كيفيتها ولا تأويلها بعد تنزيهه عز وجل عن الجارحة". فهو يبني هنا على مذهب الخلف القائلين بالتأويل وتعيين المراد في مثل ذلك، ونحن نستغرب من الأستاذ دروزة الذي يصرح بتبني قول السلف أن يقول: "بأنه لا يصح أن يكون في كتاب الله ما لا يعرف تأويله وما لا يفهمه أحد"،