الكريم وهو هداية القرآن، فكان دائمًا يربط بين هذا الغرض وبين تفسير الآيات، ولهذا نجده لا يُعنى كثيرًا ببيان معنى الآيات بشكل تفصيلي، أو بيان المفردات الغريبة إلا قليلًا، ولا يقف كثيرًا على أوجه البلاغة والنحو، بل همّه الأكبر هو إنزال الآيات على الواقع، وبث المواعظ واستنباط ما يمكن استنباطه منها مما يَفيد الناسُ منه في حياتهم.
مثلًا عند قوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)﴾ [البقرة: ٢٩]، قال: "هنا تحذير للناس من عصيان الله؛ لأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السموات أو في الأرض، أو في الألباب أو في القلوب، وليس في مكنة أحد من خلقه أن يحجب عنه شيئًا، أو يداري عن علمه أمرًا.
كذلك تحوي هذه الآية حثًا للناس على اتباع هدى الله والخضوع له، لأنه تعالى أعلم با يناسب خلقه، ومن يحول وجهه عن هدايته، ويعرض عن طريقه، فسوف يضل إلى الجهل لا محالة، لأنه عز وجل نبع المعرفة الحقيقية ومصدر العلم الأصيل، ولا خير يرجى إذا نأى الإنسان عنه، إذ ليس للإنسان نبع آخر غير الله يستقي منه معرفة الحقيقة، ونوره سبحانه وحده هو الذي يأخذ بيد الإنسان وجهديه في الدياجير الحالكة التي تكتنفه من كل جانب" (١).
وعند قوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)﴾ [البقرة: ١٣٤]، قال -بعد أن فسرها تفسيرًا إجماليًا-: "إن أعمالنا وأفعالنا ليست في عين القرآن إلا كسب أيدينا؛ لأن كل فعل وعمل سواء أسفر عن نتيجة خير أم عاقبة سوء، إن خيرًا فسيجزينا ربنا عنه خيرًا، وإن شرًّا فسيعاقبنا به الله

(١) المرجع السابق، ص ٥٨.


الصفحة التالية
Icon