ويقف الأستاذ دروزة عند هذا الحد، الذي يدع فيه القارئ في دوامة النصوص والآثار، دون أن يرجح القوي ويكشف عن الضعيف، فهو لم يكلف نفسه عناء البحث عنها كغيرها في مظان الحديث الشريف، لينقل للقارئ ما يقوله أبو داود والترمذي عن هذين الحديثين، ولو نقل للقارئ ذلك، لكان أدى أمانة البحث العلمي.
وقد قال أبو داود عن الحديث الأول "ليس هذا بالقوي" (١)، وقال عنه أبو عيسى الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - ﷺ -" (٢). ويقول أبو عيسى عن الحديث الثاني: "وهذا أصح من الحديث الأول، والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق" (٣). وقال أبو داود في صدد الحديث الثاني، الذي يرويه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس: "حديثُ عاصم يُضَعِّفُ حديثَ عَمرو بن أبي عمرو" (٤).
هذا ومن الانزلاقات الفقهية التي يجدر بنا أن ننبه عليها، هو ما وقع فيه الأستاذ دروزة عند بيانه لآيات ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ... ﴾ [النساء: ١١] والآيات الثلاث التالية لها (٥)، حيث يقول: "الفقرة الخامسة: إذا كان للميت والدان، وليس له أولاد وله إخوة، فلوالده الثلثان ولأمه السدس ولإخوته السدس". ولا ندري كيف بدأ الأستاذ دروزة يستنتج ذلك، والنص القرآني واضح العبارة، إذ يقول ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١]. فمفهوم هذه المسألة التي عدَّد الأستاذ دروزة أفرادها، أن الإخوة محجوبون بالأب، والسدس يعود على أبيهم. وهذا هو رأي
(٢) سنن الترمذي، ج ٥، ص ١٥١ - ٢٥٢، الحديث ١٤٥٥.
(٣) المرجع السابق.
(٤) سنن أبي داود، ج ٢، ص ٤٦٨ - ٤٦٩، الحديث ٤٤٦٥.
(٥) ج ٩، ص ٢٥.