الظاهرية التي ينفق الكفار على أساسها المال في سبيل الخيرات، والنفع والضر في هذا المثال يقصد به فقدان الإيمان الصحيح وعدم اتباع قانون الله وشرعته، وهو ما جعل حياتهم كلها تتجه وجهة خاطئة. فالله سبحانه وتعالى يريد أن يقول بهذا المثل مع أن الهواء مفيد للزرع، إلا أنه لو حمل معه صقيعًا وبردًا قارصًا فإنه يفسده بدلًا من أن يفيده وينميه، وكذلك الخيرات أيضًا فمع أنها تنمي مزرعة الإنسان في آخرته إلا أن هذه الخيرات إذا صادفت في داخله سموم الكفر صارت مهلكة له لا منعشة لزرعه مكثرة لحصاده... " (١).
موقفه من المسائل العقدية:
وانسجامًا مع تركيزه على مقاصد القرآن وهداية الناس، لم يكن له كبير عناية ببيان الخلافات العقدية، ولكن ظهرت سمات اعتقاده من بعض المواضع على ندرتها، فهو ضد عقيدة الجبر، وقد ظهر هذا من تعقيبه على قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧]، حيث قال: "هذا لا يعني أن رفضهم للحقّ سببه صدور قرارات تعسفية ضدهم من الله -تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا- دون ذنب اقترفوه، فأعرضوا عن الحق؛ لأن الله ختم على قلوبهم، ولم يسمعوا للحق، لأن الله أصمَّ آذانهم، ولم يروا الحق لأن الله طمس على أعينهم، وإنما الحقيقة أن طمس الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم كان حصاد رفضهم وإعراضهم عن الحق في إصرار وعناد، وليس سببه وعلته" (٢).
ونفى الجهة والحد عن الله تعالى وكل صفات النقص، فقد قال في تفسيره آيةَ الكرسي: "هذا يدمغ تصورًا عن الله أساسه أنه تعالى -جلَّت ذاته وتقدّست صفاته- تعتريه النقوص وتحده الحدود، مثله مثل المخلوقات البشرية الناقصة المتناهية، خذ
(٢) المرجع السابق، ص ٥١.