في مسند الإمام أحمد معناه أن من ذهب من هذه الدنيا، وقد عمل صالحًا آتاه الله نعيمًا لا يتمنى بعده أن يعود إلى الدنيا، إلا الشهيد فهو يتمنى أن يرسل إلى الدنيا لينعم بنعيم وحلاوة ما يراه حين تفيض روحه في سبيل الله" (١).
وفي الحاشية أشار المترجم إلى أصل الحديث، حيث قال: "لعله الحديث الذي قال فيه: (والذي نفسي بيده ما من مؤمن يفارق الدنيا يحب أن يرجع إليها ساعة من نهار، وأن له من الدنيا وما فيها إلا الشهيد، فإنه يحب أن يرد إلى الدنيا فيقاتل في سبيل الله فيقتل مرة أخرى) " (٢).
رده على بني إسرائيل:
ويبدو أن الأستاذ أبا الأعلى كان على اهتمام كبير بأحوال بني إسرائيل وتاريخهم، فكان كثيرًا ما يُسهب في بيان نفسياتهم، وكشف حقيقتهم، وكان هذا خيطًا بارزًا في كتابه، يظهر كلما ورد ذكرهم في الآيات الكريمة، ها هو ذا يحدثنا عن ألاعيب اليهود وتحريفهم لكتابهم، فيقول معلّقًا على الآية الكريمة: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٧٩]: "هذه الآية تشير إلى ما كان يفعله علماء اليهود، فهم لم يكتفوا بتحريف كتابهم المقدس ليلائم أمزجتهم وأهواءهم، بل خلطوا متنه الأصلي بتفاسيرهم الخاصة، وتاريخهم القومي وخرافاتهم وفلسفاتهم وقوانينهم ونظرياتهم التي صاغوها بأنفسهم، ثم قدموا هذا المزيج كله في الشكل الحالي للكتاب المقدس، على أنه من عند الله، بحيث إن كل قصة تاريخية، وكل أسطورة، وكل تفسير، وكل عقيدة مبتدعة، وكل قانون محلي دوّن في الكتاب

(١) المرجع السابق، ص ٢٥١.
(٢) والحديث في مسند الإمام أحمد، طبعة مؤسسة الرسالة، ١٩/ ٢٩٢، برقم ١٢٢٧٣ عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من نفس تموت لها عند الله خير، يسرها أن ترجع إلى الدنيا، إلا الشهيد، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا، فيُقتل مرة أخرى، لما يرى من فضل الشهادة". وانظر: صحيح مسلم، ١٨٧٧.


الصفحة التالية
Icon