أو التبجيل والتقديس أو التسليم والخضوع والطاعة، ولم يستطع أحد منهم إنكار هذا لأن كتابهم نفسه يشهد به" (١).
وتصدى الأستاذ أبو الأعلى لشبهات وردت من غير بني إسرائيل كذلك، كردّه على من وجّه اعتراضًا على قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، قال بعد أن بيّن أن ما جاء في الآية هو معيار زمني يناسب الناس في كل عصر ومصر: "أما الذين لا يفهمون فلسفته فيثيرون اعتراضات خرقاء وأسئلة حمقاء يقولون -مثلًا-: إن العمل بهذا الميقات الإلهي محال عند قطبي الكرة الأرضية، حيث يدوم الليل أو النهار إلى شهور، وينسون أنه حتى في الأقاليم القطبية تظهر علامات الصباح والمساء والظهر وغيره بانتظام كما في المناطق الأخرى، وأن القاطنين هناك ينظمون أوقات عملهم ولعبهم وراحتهم ونومهم ونحوه، وفق ظهور هذه العلامات، وحين لم تكن ثم آلات لضبط الوقت كان سكان المنطقة الشمالية يحددون أوقاتهم بهذه العلامات" (٢).
وردَّ على من ادعى أن البشرية مرّت بمراحل تطور تدريجي في الدين مستندًا إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢١٣]، قال: "في هذه الآية تنهار عمد نظرية التطور التدريجي في الدين والتي يزعم فيها مَنْ سُمّوا بالعلماء أن الإنسان بدأ حياته الدينية في ظلام وجهالة، فبدأ يعبد الطبيعة والآلهة المتعددة، ثم ما لبث تدرُّجًا أن عَبَدَ اللهَ، لكنه أشرك معه آلهة آخرين، واستمر على هذه الحال قرونًا طويلة إلى أن اكتشف أخيرًا وحدانية الله.
(٢) المرجع السابق، ص ١٢٩.