عنايته بالمناسبة:
ولم يغفل رحمه الله التنبيه على مناسبة الآيات بعضها لبعض حين تخفى، فقد بيّن مناسبة الآيات العشر الأولى من سورة النور لما جاء بعد ذلك من حديث عن الإفك، وأن تلك الآيات كان فيها تنبيه للمسلمين بأن الرمي بالزنا ليس أمرًا هينًا، يتلاعب به الناس.
ووضّح وجه المناسبة بين قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا... ﴾ وما قبلها، قال: "لقد كان الغرض من الأحكام المذكورة في بدء السورة، أن يُتدارك ما يظهر في المجتمع من المفاسد، وههنا الله تعالى يبدأ من هذه الآيات سرد الأحكام التي يُقصد من ورائها الحيلولة دون نشوء المفاسد في المجتمع أصلًا، واستئصال الأسباب التي تظهر لأجلها مثل هذه المفاسد، وذلك بإصلاح طرق المدنية والحياة الاجتماعية" (١).
عقيدة التنزيه:
من الجميل أن نقف مع الأستاذ أبي الأعلى عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور: ٣٥]؛ لنتعرف على جانبٍ من عقيدة التنزيه التي يعتقدها، وقد ظهرت في كلامه هذا بعضُ ملامح منهجه، كربطه الآية بالسياق، وعنايته بالألفاظ.
بدأ الأستاذ أبو الأعلى الكلام في هذه الآية ببيان مناسبتها للسياق بأن جعل مضمونها متوجهًا إلى المنافقين الذين كانوا يثيرون الفتن في المجتمع الإسلامي، والسبب الحقيقي في عدم إفادتهم من النور الذي كان قد بزغ في العالم بالقرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو ولوعهم بالدنيا وتكالبهم على حطامها، ثم شرع بتفسير الآية الكريمة، فبيّن أن القرآن يستعمل كلمة ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ عامة بمعنى الكون،