ثم بدأ بشرح التمثيل الذي ورد في الآية الكريمة: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ... ﴾، حيث بيّن معنى المفردات الواردة في المثل وفصّل في أركان التشبيه، قال: "فالله سبحانه وتعالى قد شبه نفسه في هذا المثال بالمصباح، وشبه الكون بالمشكاة، وأراد بالزجاجة ذلك الستر الذي قد وارى فيه الحق تعالى نفسه عن نظر الخلائق، كأن ليس هذا الستر في حقيقة الأمر بستر الخفاء، بل هو ستر شدة الظهور، فإن كانت أبصار الخلائق لا تدركه، فما السبب في ذلك أن الظلمة حائلة بينه وبينها، بل السبب الحقيقي في ذلك أن الستر الذي بينهما شفاف رائق قد عجزت الأبصار ذات القوى المحدودة عن إدراك النور الذي يصل إليها بعد عبوره، وذلك لشدة لمعان هذا النور وسعته، شموله وإحاطته" (١).
وكانت له وقفة عند قوله تعالى: ﴿زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾، حيث أشار إلى أن شجرة الزيتون التي لا يواريها شيء من الشمس منذ طلوعها في الشرق صباحًا إلى غروبها في الغرب مساء، يكون زيتها أصفى الزيوت وألطفها، على خلاف الشجرة التي لا تصيبها الشمس إلا في طرفي النهار، فإن زيتها يكون أغلظ وأضعف نورًا. ونبّه على أن الهدف من هذا الوصف هو جعل الناس يتصورون كمال نور المصباح وشدته، وليس المقصود أن الله سبحانه وتعالى الذي قد شبه نفسه بالمصباح يستمد قوته من شيء آخر، بل المقصود تنبيه الناس أن يتصوروا في المثال مصباحًا حقيرًا، ودعوتهم إلى تصور أقوى المصابيح التي يشاهدونها (٢).
ووقفة أخرى عند قوله: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾، حيث يرى أن هذه العبارة تزيل ما قد ينشأ في الذهن من سوء الفهم بألفاظ قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، "فالذي يستفاد من ذلك أن ليس معنى كون الله سبحانه وتعالى نور السموات
(٢) ينظر: المرجع السابق، ص ١٩٩.