منهما فسر القرآن بلغة العصر، وقد رأيت أنه باعتمادي هذه التفاسير الأربعة أكون قد استوعبت - إلى حد ما - الفائدة من كتب التفاسير على مر العصور" (١).
والذي يظهر بالقراءة المتأنية لتفسير الأساس أن هذه التفاسير التي ذكرها الشيخ كانت فعلًا معتمده، ويظهر كذلك أن رجوعه إلى تفسير الظلال كان أكثر من رجوعه إلى تفسير الآلوسي، رحمهم الله جميعًا.
ويلاحظ أن الشيخ أحيانًا ينقل الأقوال دون أن يناقشها، أو يعقب عليها، من ذلك ما قاله عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)﴾ [الأنعام: ٣٨]، قال: "في تفسير الحشر هنا اتجاهان للمفسرين: الاتجاه الأول: اتجاه من يفسر حشر البهائم بأنه موتها، والاتجاه الثاني يفسر حشرها ببعثها وإقامة العدل فيما بينها، ثم إفنائها" (٢).
ولعل الشيخ في عدم تعليقه على بعض الأقوال، يرى أنه متساوية في قوة أدلتها، وأن النص يحتملها جميعًا، ولكن كان الأولى به رحمه الله أن يُظهر رأيه بشكل واضح، مناقشًا، أو رادًّا، أو مؤيدًا،... إلخ، لا ناقلًا فقط.
وأحيانًا نجده يوجّه الأقوال، ويناقش أصحابها، من ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣)﴾ [ص: ٣٣]، حيث نقل رأي ابن جرير الطبري في تفسيرها وأنه أخذ بقول ابن عباس -رضي الله عنهما -، وهو: "جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبًا لها، ثم ذكر سبب ترجيح الطبري لهذا، وهو أن سليمان - عليه السلام - لم يكن ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويهلك مالًا من ماله بلا سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها". ثم قال الشيخ سعيد: وهذا الذي رجّحه الطبري فيه نظر؛ لأنه قد يكون في شرعه جواز مثل هذا، ولا سيما إذا كان
(٢) الأساس، ٣/ ١٦٢١.