وهو حين يمرّ بآيات تضم أحكامًا فقهية، نجده يقف عندها ذاكرًا آراء الأئمة الأربعة وأدلتهم باختصار، وقد يزيد على ذلك بآراء غيرهم، وتارة نجده يعقّب على الآراء، وتارة أخرى لا يفعل.
ومن الأمثلة على إفراده مذهب الحنفية بالذكر قوله في تفسير الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)﴾ [البقرة: ١٧٣]: "قال الحنفية: يرخص شرب الخمر للعطشان، وأكل الميتة في المجاعة إذا تحقق الهلاك، وقال الحنفية: ويحرم الذبح لمخلوق ولو ذكر اسم الله تعالى، لأنه أُهِّل به لغير الله تعالى، أما لو نوى إكرامه فإنه يحل، ويظهر ذلك فيما لو ضافه أمير مثلًا فذُبح عند قدومه شاة، فإن قُصد التعظيم فلا تحل، وإنْ أضافه بها، وإنْ قصد الإكرام فتحل" (١).
كما أن الشيخ سعيدًا يتلمس الحِكَم التي وراء الأحكام، فمثلًا نجده يقول في حكمة الصوم: "إن الحكمة من فرض الصوم علينا هي الوصول إلى التقوى، فمن صام رمضان ثم لم يحصّل التقوى فقد فرّط، إن الإيمان بالغيب وإن التوحيد هما البذرة التي تتفرع عنهما شجرة الإسلام لتؤتي ثمارها، والصلاة هي الغذاء اليومي لهذه الثمرة، والإنفاق هو الذي يجتث الحشائش الضارة من أرض القلب، كالشح والبخل والحرص.
ويأتي الصوم ليضبط الانفعالات النفسية الخاطئة في أخطر مظاهرها، شهوة الفرج، وشهوة البطن، إذ يعوِّد المسلم على ضبط ذلك... " (٢).
(٢) الأساس، ١/ ٤١٢.