كان كذلك أتوا بحرفٍ جَلْدٍ لا يتغير وهو التاء، فأبدلوا منه وأدغموا في تاء الافتعال.
والثاني: أن الواو تقلب تاءً لغير سبب، نحو: تُراث، وتُجاه، وتَيْقورٍ (١) ونحوهن، فلما كان كذلك صار بمنزلة اجتماع متقاربين، يقلب أحدهما إلى صاحبه ليقع الإدغام، كسيّد وميّت، فمتّقي واتَّقى مُفْتَعِلٌ وافْتَعَل في التقدير، وإن مَثَّلْتَ على اللفظ قلتَ: مُتَّعِلٌ أو اتَّعَلٌ، ولام الكلمة من الجمع محذوفة بعد إزالة حركتها، لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها، وإنما حذفت دون حرف الجمع، لأن حرف الجمع يدل على الإعراب والجمع، فبقي لذلك.
وأصل الاتقاء الحَجْزُ بين الشيئين، يقال: اتقاه بالتُرْس، أي جعله حاجزًا بينه وبينه، ومنه الوقاية، والعبد إذا اتقى الله بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، كان ذلك حاجزًا بينه وبين عذاب الله، [اللهم اجعلنا من المتقين] (٢).
وإنما قال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ والمتقون مهتدون، لأنهم هم الذين انتفعوا به، فصار لذلك كأنه لهم دون غيرهم، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ (٣)، وإن كان عليه الصلاة والسلام منذرًا للجميع.
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)﴾: قوله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ موضع ﴿الَّذِينَ﴾ يصلح أن يكون جرًا بأنه صفة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ أو بدلٌ منهم. أو نصبًا بإضمار فعلٍ، ولك أن تحمله على موضع ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾. أو رفعًا بإضمار مبتدأ، أي: هم الذين، أو بالابتداء، والخبر ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى﴾، وعلى هذا جميع ما في القرآن من ﴿الَّذِينَ﴾

(١) التيقور: الوقار، فيعول منه.
(٢) سقطت من (د).
(٣) سورة النازعات، الآية: ٤٥.


الصفحة التالية
Icon