لم يكن قد جعلت لـ (ما) عملًا في زيد، وإذا لم يكن زيد معمولَه، كان وقوعُ (طعامك) بينه وبين زيد جائزًا، إذ لا يكون فصلًا بين العامل والمعمول بالأجنبي.
وأما دخولها على الأفعال فعلى ضربين:
أحدهما: أن تدخل على الماضي بمعنى (لم)، نحو: ما خرج زيد، أي: لم يخرج، وفي التنزيل: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (١).
والثاني: أن تدخلَ على المضارع لنفي الحال بمعنى (لا)، نحو: ما يخرج زيد، أي: لا يخرج، نفيتَ أن يكون منه خروج في الحال، ومنهم من يسميها جحدًا، وقد أنكر بعض أهل العلم وقال: وليس الأمر على ذلك، وذاك أنها إذا كانت نافية، فإنما تنفي عما تدخل عليه ما ثبت له قبل دخولها، أو جاز أن يثبت له.
والجحد: هو أن يَكْذِبَ النافي في نَفْيِه، مثال ذلك: أن يقول المثبت: قام زيد. فيقول النافي: ما قام زيد. ويقول المخبر: زيد قائم. فيقول النافي: ما زيد قائمًا. فإن صدق في نفيه سمي نفيًا، وإن كذب في نفيه سمي جحدًا، ويجوز أن يسمى الجَحْدُ نفيًا، لأن النفي أعم، ولا يجوز أن يسمى النفي جحدًا.
والجحد في القرآن، نحو قوله تعالى إخبارًا عمن كفر من أهل الكتاب: ﴿مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ﴾ (٢). فأكذبهم الله بقوله: ﴿فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ (٣) وقوله: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ (٤). فأكذبهم الله بقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ (٥) وقوله: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾ (٦). فأكذبهم الله
(٢) سورة المائدة، الآية: ١٩.
(٣) في الآية نفسها.
(٤) سورة الأنعام، الآية: ٢٣.
(٥) في الآية التي بعدها.
(٦) سورة التوبة، الآية: ٧٤.