وقد ذكروا فيها وجوهًا أُخَرَ، وهي ترجع إلى ما ذكرت، وقد تَرِدُ (ما) في التنزيل تحتمل وجوهًا من المعاني، وستراها موضحةً في أماكنها إن شاء الله.
ونعود إلى ما كنّا فيه، وهو قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ عطف على ﴿الَّذِينَ﴾ الواقع بعد ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾، وحكمُهُ في الإعراب حُكْمُهُ، هذا على قول من جعل الآيتين جميعًا في جميع المؤمنين، أو في مؤمني أهل الكتاب، وأما من جعل الأولى في مؤمني العرب، والثانية في مؤمني أهل الكتاب، كعبد اللَّه بن سلام - رضي الله عنه - (١) فمحل ﴿الَّذِينَ﴾: الرفع على الابتداء، وخبره: ﴿أُولَئِكَ﴾، ويَحتمل على هذا الوجه أيضًا أن يكون عطفًا على ﴿الَّذِينَ﴾.
والإنزال، والحدْر، والحطُّ، نظائر في اللغة، يقال: أَنزلتُه، وحَدَرْتُه، وحَطَطْتُه. والنزول نظيره: الهبوط، ونقيضه: الصعود.
والكاف في ﴿إِلَيْكَ﴾: ضمير المخاطب، وهو النبي - ﷺ -، وقد جُوّز أن تكون للجنس، فتكون في معنى الجمع، كقوله: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ﴾ (٢).
وقوله: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾: ﴿هُمْ﴾ في موضع رفع بالابتداء، و ﴿يُوقِنُونَ﴾ خبره، وإنما جيء بـ ﴿هُمْ﴾ هنا للتوكيد، ويسميه البصريون فصلًا، والكوفيون عمادًا، والكلام يأتي عليه في غير هذا الموضع إن شاء الله.
وفائدة التوكيد في ﴿هُمْ﴾ مع تقديم (الآخرة): تحقيق عَودِ الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، كقوله: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ (٣)، وتَعريضٌ
(٢) سورة النور، الآية: ٣٤.
(٣) سورة الشورى، الآية: ٣٧.