فإن قلت: لم جاء هنا بغير العاطف، وفي "يس" ﴿سَوَاءٌ﴾ (١) مع العاطف؟ قلت: قيل: لأن ما في "يس" مع ما بعده جملة معطوفة على جملة أخرى، فاحتاجت إلى العاطف، والجملة هنا ليست بمعطوفة، فهي من العطف بمعزل.
وسواء: اسم مشتق من التساوي، وهو بمعنى الاستواء، تقول: استوى الشيء إذا اعتدل استواءً (٢)، قال:

٣٧ - وقيلٍ يقولُ الناسُ من ظلُماتِهِ سواءٌ صَحِيحَاتُ العيونِ وعُورُها (٣)
والاسم: السواء، وُصف به كما يوصف بالمصادر، ومنه قوله تعالى: ﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ (٤)، وقوله: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ (٥) بمعنى مستوية، ولكونه بمعنى الاستواء لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع، والهمزة فيه منقلبة عن ياء؛ لأجل أن باب (طَوَيْتُ) أكثرُ من باب قُوَّة، فَحُمِلَ على الأكثر.
قال أبو علي: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر، ومثل ذلك قولهم: ما أبالي أشهدتَ أم غِبتَ؟ وما أدري أَأَقْبلتَ أم أدبرتَ؟ وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام وإن كان خبرًا، لأن فيه التسوية التي
= الزجاج، ومشكل مكي، وغريب ابن الأنباري، وتبيان العكبري، إلا أن أبا علي في الحجة ١/ ٢٦٩ أيد كونه مبتدأ، وضعّف كونه خبرًا.
(١) الآية: ١٠، منها.
(٢) في (ب) استوى الشيء استواءً إذا اعدل.
(٣) نسب البغدادي ٥/ ٢٢ هذا البيت إلى مضرس بن ربعي شاعر جاهلي، ونسبه القيرواني صاحب زهر الآداب ٣/ ٨٠٦ إلى محكان السعدي. وانظره في جامع البيان ١/ ١١١، وأضداد ابن الأنباري/ ٤٣/ والمحرر الوجيز ١/ ١٠٦، ومعناه كما فسره صاحب الخزانة: أن العيون الصحيحة والعيون العور سواء في عدم رؤية الشيء لتكاثف الظلام. هذا وقد جاء هذا الشاهد في (د) و (ط) بعد أربعة أسطر من هنا.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٦٤.
(٥) سورة فصلت، الآية: ١٠.


الصفحة التالية
Icon