فإن قلت: هل يجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لقوله: ﴿بِمُؤْمِنِينَ﴾؟ قلت: معاذ الله مما أوردتَ، أتنفي عنهم ما أثبت الله لهم؟ إياك والعَوْدَ إلى مثل هذا الإيراد في كتاب الله.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون حالًا من الضمير في ﴿آمَنَّا﴾؟ فالجواب: أن ذلك لا يجوز، لأن ﴿آمَنَّا﴾ محكي عنهم بيقول، فلو جعلته حالًا منه لكان محكيًا أيضًا، وهو فاسد من وجهين:
أحدهما: أنهم [ما] (١) قالوا آمنا وخادعنا.
والثاني: أن الله تعالى أخبر عنهم بقوله: ﴿يُخَادِعُونَ﴾. ولو كان منهم لكان (نخادع) بالنون (٢).
ويجوز أن يكون مستأنَفًا لا موضع له من الإعراب، فيوقف دونه (٣).
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾: عطف على اسم الله، و ﴿وَمَا﴾ حرف نفي.
﴿إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾: نصب بـ (يخادعون)، ولا يجوز أن يكون منصوبًا على الاستثناء، لأن الفعل لم يستوف مفعوله قبل ﴿إِلَّا﴾، فإلا في هذا الموضعِ وشبهه مِمَّا الفعل الذي قبل إلا مفرغّ لما بعده، سواءً كان مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا بمنزلة سائر الحروف التي تغير المعاني دون الألفاظ، نحو: هل، ألا ترى أنك تقول: هل زيدٌ مُنْطَلِقٌ؟ فيكون لِهَلْ تأثير في المعنى دون اللفظ، وكذلك إذا قلت: ما جاءني زيد، لا يدل على أن غيره لم يأتك، فإذا قلت: ما جاءني إلا زيد، كان له تأثير في المعنى دون اللفظ، وهو الحصر على مجيء زيدٍ دون غيره، فاعرفه وقس عليه نظائره، وقد ذكرتُ وجهَ من قرأ: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾، (وما يخادعون) في الكتاب
(٢) حكى الوجهين: العكبري ١/ ٢٥ - ٢٦.
(٣) كذا أعربها مكي ١/ ٢٣، وانظر النحاس ١/ ١٣٧.