في نية التقديم، وصار الاسم الواقع بعد (أمّا) كالعوض من فعل الشرط.
فإن وقع بعد الفاء فعل يعمل في الاسم الواقع بعده نصبتَه به، وزال الابتداء كما يزول في غير هذا الموضع بدخول العوامل، فتقول: أما زيدًا فأكرمتُ، وأما عَمْرًا فأهنتُ، وفي التنزيل: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ (١)، فنصب اليتيم بالفعل الواقع بعده كما ترى، وفيه: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ (٢) فرفع بالابتداء لاشتغال الفعل عنهم بضميرهم.
وبعد... فإن (أما) هذا مستغن عن التكرير، فإن كرر فلعطف جملة على جملة، كقوله عز وجل: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)﴾ (٣).
فإن قلتَ: هل لـ (أما) فائدة في الكلام غير ما ذكرتَ من الإخبار والتفصيل؟ قلتُ: نعم، قيل: فائدته في الكلام أن يُعْطِيَهُ فَضْلَ توكيد، فإن قلتَ: ما مثال ذلك؟ قلت: مثاله أن تقول: زيد منطلق، فإذا أردت توكيد ذاك، وأنه لا محالة منطلق، وأنه بصدد الانطلاق، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فمنطلق، فاعرفه (٤).
ونعود إلى الإعراب:
﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ، و ﴿فَيَعْلَمُونَ﴾ وما اتصل به: خبره، والضمير في ﴿أَنَّهُ﴾ لِلمَثَلِ. وقيل: لـ ﴿أَنْ يَضْرِبَ﴾.
﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾: في محل النصب على الحال من الضمير المستتر في ﴿الْحَقُّ﴾ والعامل ما في ﴿الْحَقُّ﴾ من معنى الفعل.
والحق: الثابت الذي لا يَسوغُ إنكاره، يقال: حَقَّ الأمرُ، إذا ثبت ووجب.

(١) سورة الضحى، الآية: ٩.
(٢) سورة فصلت، الآية: ١٧.
(٣) سورة الضحى، الآيات: ٩ - ١٠ - ١١.
(٤) انظر الكشاف ١/ ٥٧.


الصفحة التالية
Icon